وقفة مع قرار الرقابة الشرعية بعدم تمويل الاكتتاب في ناقلات

هل استعد صغار المستثمرين للاكتتاب في أسهم ناقلات الغاز بما يستحقه هذا الحدث من استعداد خاص يتناسب مع أهميته وما سيجلبه لهم من خير وفير في غضون فترة قصيرة؟ أم أنه لا زالت أمام البعض منهم على الأقل بعض المعوقات التي تحول دون استفادتهم بهذه المكرمة التي قدرها الله لهم، وعملت الحكومة بتوجيهات من حضرة صاحب السمو الأمير المفدى على تهيئتها وترتيبها بما يحقق الفائدة والخير للقاعدة العريضة من المواطنين؟
إن الاستعداد للاكتتاب يتطلب معرفة كافة المواطنين بالموضوع وإدراكهم لأبعاده المختلفة ومتطلباته، وأحسب أن هذا الموضوع بات واضحاً للجميع وخاصة بعد الندوة التي ترأسها سعادة النائب الثاني عبدالله بن حمد العطية وبحضور سعادة وزير المالية يوسف كمال، يوم 19/12/2004. وأحسب أن الحقائق باتت أكثر وضوحاً بعد تلك الندوة، وبعد سلسلة المقالات والتحقيقات الصحفية التي غطت الندوة ومنها مقالان كتبتهما في حينه بعنوان : كيف يكون الانحياز لصغار المستثمرين؟ وقد رجحت أن يكون الحد الأدنى للاكتتاب في أسهم ناقلات ما بين 1600-1700 سهم ، وأنه في كل الأحوال قد لا يتجاوز 2000 سهم للبطاقة الواحدة.
وقد نصحت لذلك-ونصح غيري من الكتاب- ألا يزيد ما يكتتبه الشخص الواحد عن 2000 سهم للبطاقة الواحدة، إلا إذا كانت لديه سيولة نقدية فائضة أو وديعة بنكية غير مربوطة، فهو حر عندئذٍ في الاكتتاب حتى الحد الأقصى المسموح به.

وقد نصحت المستثمرين الذين لديهم استثمارات في أسهم أخرى أن يؤمنوا أولاً الحد الأدنى المطلوب(2000 سهم لكل بطاقة) وأن يتعاملوا مع المبالغ الإضافية بحرص بحيث لا يبيعون من الأسهم الأخرى إلا بعد دراسة مستفيضة لما ستوزعه تلك الأسهم من أرباح وما ستحققه من زيادات رأسمالية في أسعارها خلال الشهور الثلاثة القادمة، مع مقارنة ذلك بما سيحصلون عليه من بيع هذه الأسهم والاكتتاب بقيمتها في ناقلات، وما سيتم تخصيصه لهم ، وما قد يربحونه بالتالي في ظل الأسعار المتوقعة لأسهم ناقلات.

وبالنسبة لأولئك الذين ينوون الإقتراض من البنوك، نبهت بعدم الإفراط في الاقتراض إلا بما يؤمن الاكتتاب في 2000 سهم فقط حتى لا يتحمل المقترض تكاليف إضافية، تأكل كثيراً من الأرباح المتحققة.

ولم تنته المسائل المتعلقة بالاستعداد للاكتتاب عند هذا الحد، فقد علمت أن البنوك الإسلامية لن تشارك في تمويل عمليات الاكتتاب في ناقلات. وفهمت أن تعليمات الرقابة الشرعية قد أوصت بذلك دون أن يتصدى أحد من العلماء الأفاضل ليبين للناس المنطق وراء هذا المنع؟

إنني أتسائل فقط ولا أفتي، وأحاول أن أتصور الأمر من زاوية المصلحة العامة والمنفعة التي ستعود على المتمولين في الاكتتاب وعلى البنوك التي تمول عملية الاكتتاب. والثابت في الشرع أنه أينما كانت المصلحة فثم شرع الله، ولا أعتقد أن المصلحة في تمويل صغار المستثمرين تتعارض مع النصوص. وقد اجتهدت لمعرفة الضرر الذي سيعود على الأمه من هذا العمل فلم أجد شيئاًَ يذكر. وعلى العكس من ذلك وجدت أن ترك أمور نقل الغاز (وهو- أي الغاز- مصدر الدخل الأساسي للأجيال القادمة بعد نفاد النفط ) أقول إن تركه في أيدي الأجانب ليتملكوا الناقلات ويديرونها لهو مخالف لما أمرنا به الشارع الحكيم من عمارة الأرض وحُسن استغلال مصادرها.

إن الأمر بعدم تمويل عمليات الاكتتاب عن طريق البنوك الاسلامية يعني أحد أمرين:

1- إما أن يستجيب الأفراد لهذه التوجيهات ويحرموا أنفسهم من عشرات الألوف من الريالات التي كان من الممكن أن تسدد ديون الكثيرين منهم وتؤمن احتياجاتهم المتنامية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض سعر صرف الدولار، أو

2- أن يضطرهم الأمر إلى اللجوء إلى سبل ملتوية للحصول على النقد اللازم للاكتتاب كشراء سيارة وبيعها مظنة أن ذلك ينسجم مع تعاليم الدين الإسلامي السمحة.

إن أصحاب الفضيلة العلماء وعلى رأسهم فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي مدعوون لبيان الموقف للجمهور حتى يكون الجميع على بينة من أمره، وأحسب أننا بذلك نكون قد اجتهدنا في مواجهة ما يستجد من أمور الأمة، وتعاملنا معها بالوضوح والشفافية اللازمة، والله من وراء القصد