تسارع النمو الاقتصادي هل يصل إلى حد التسخين؟

النقود في أي مجتمع هي الجانب المحسوس من النشاط الاقتصادي، وبقدر ما تزيد كميتها وسرعة دورانها بقدر ما يكون ذلك مؤشراً على مدى حيوية الاقتصاد ونموه ودرجة حرارته. وقد زادت كمية النقود في الاقتصاد القطري في عام 2004 وتسارعت حركتها امتداداً لما حدث في عام 2003. وتشير الأرقام الأولية إلى أن عرض النقد الواسع قد ارتفع بما نسبته 15% سنوياً في العامين 2003 و2004. وتعكس أرقام النقود لعام 2004 درجة عالية من الحيوية والنمو والحرارة أيضاً وهو ما تؤكده بقية البيانات الاقتصادية التي صدرت عن الفترة ذاتها.

فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى رقم قياسي جديد هو 103.6 مليار ريال قطري بزيادة نسبتها 20.5% عن ناتج عام 2003 الذي تم تعديله إلى 85.9 مليار ريال بدلا من التقديرات الأولية التي وضعته سابقاً عند مستوى 74.3 مليار ريال.

هذه الزيادة الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي جاء جزء أساسي منها من زيادة أسعار النفط بنسبة 28.5% إلى 36 دولار للبرميل مقارنة بـ 28 دولار في عام 2003، ومن زيادة الكميات المصدرة من الغاز المسال ومن المنتجات البترولية والمكثفات إلى الحد الذي رفع ناتج قطاع النفط والغاز إلى 64.4 مليار ريال بزيادة 27.3% عن العام السابق. وبهذه الزيادة عاد هذا القطاع ليمثل ما نسبته 62.2% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 58.8% في عام 2003.

وقد حققت القطاعات غير النفطية زيادة ملحوظة في مجموع نواتجها في عام 2004 ليصل إلى 39.2 مليار ريال وبمعدل نمو 10.8% بعد نمو بنسبة 14% في عام 2003 وبنسبة 11.7% في عام 2002. ونجد أن أربعة من القطاعات غير النفطية قد حققت قفزة نمو كبيرة وهي قطاع الكهرباء والماء ونما بنسبة 29.3% إلى 2324 مليون ريال وقطاع الصناعة التحويلية الذي نما بنسبة 20.9% إلى 7922 مليون ريال وقطاع التشييد والبناء الذي نما بنسبة 16.3% إلى 5414 مليون ريال، وقطاع المال والتأمين والعقارات الذي نما بنسبة 10.1% إلى 6910 مليون ريال،. أما قطاعات الخدمات- التجارة والمطاعم والفنادق- النقل والمواصلات-ا لزراعة والصيد، فكانت معدلات النمو فيها محدودة نسبياً رغم أن ذلك يتعارض مع بعض الشواهد من قبيل درجة الإشغال الكاملة في الفنادق، وزيادة عدد الزوار والسائحين.

وقد كان الإنفاق الحكومي من العوامل الأساسية المحفزة للنمو الاقتصادي في مختلف القطاعات غير النفطية. وأدى الإنفاق السخي على مشروعات البنية التحتية إلى تنشيط أعمال المقاولات وقطاع الأعمال وقطاع البنوك والتأمين والعقارات. ومن المنتظر أن تؤدي خطط الحكومة التوسعية للسنوات الخمس القادمة إلى ضخ مليارات أخرى في القطاعات الاقتصادية.

الجدير بالذكر أن فائض السيولة المتاح في البلاد قد تم توجيهه إلى سوقي الأسهم والعقارات، وكان من نتيجة ذلك أن شهدت أسعار الأسهم وأسعار العقارات زيادات كبيرة وانعكس ذلك بشكل إيجابي على مخزون الثروة في المجتمع. فمن ناحية زادت القيمة الرأسمالية لكافة الأسهم المدرجة في سوق الدوحة إلى ما يصل 142 مليار ريال مع نهاية عام 2004 ولأكثر من ذلك بكثير في الوقت الحاضر. ومن جهة أخرى أدى ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات إلى زيادة كبيرة في القيمة السوقية لما يمتلكه أفراد المجتمع من مباني وعقارات وأراضي. وهذه الزيادة يتم تدويرها وإعادة استثمارها من سوق الأسهم إلى سوق العقارات وبالعكس. ويحدث ذلك في ظل سياسة نقدية توسعية، حيث لازالت معدلات الفائدة على الودائع متدنية جداً، مما يضغط على السيولة المالية إلى خارج الجهاز المصرفي. ويعمل سعر الاقتراض المنخفض نسبياً أيضاً على سحب سيولة إضافية من الجهاز المصرفي باتجاه هذين القطاعين الأسهم والعقارات طالما ظلت تكلفة الاقتراض أقل بكثير من الأرباح المتوقعة من الاستثمار فيهما.

على أن هذه الظاهرة لا تخلو من السلبيات التي تجلت واضحة في ارتفاع معدل التضخم بشكل سافر في عام 2004 وتجاوزه مستوى 7% لأول مرة منذ سنوات عديدة. وفي حين تسببت المضاربات في مجال الأراضي والعقارات في بروز هذه الظاهرة فإن أسباباً أخرى عديدة قد ساهمت بدورها في حدوثها ومن ذلك تسارع خطط التحديث العمراني وارتفاع وتيرة نمو الانفاق الحكومي، وزيادة الطلب بشكل مفاجئ على بعض المواد الأساسية. ويضاف إلى ذلك أيضاً تراجع سعر صرف الريال القطري المرتبط بالدولار أمام اليورو والين والعملات الرئيسية الأخرى.

وهكذا فإن الاقتصاد القطري قد دخل عام 2005 وهو يتمتع بحيوية فائقة ، وبمعدلات نمو اقتصادي مرتفعة جداً مع تسارع في عرض النقود بمعدلات عالية تصل إلى حد تسخين الاقتصاد وهو ما قد ينذر بخروج معدل الضخم عن السيطرة، وتجاوزه للمحتمل والمقبول. ورغم أن السياسة النقدية تدفع منذ بعض الوقت باتجاه رفع معدلات الفائدة على الريال لضبط تسارع النمو في عرض النقد، إلا أن ذلك لن يكون كافياً بمفرده للجم التضخم، ولا بد من جهود إضافية في هذا المجال وخاصة من جانب السياسة المالية للحكومة.