هناك علاقة وثيقة بين تطور الائتمان المصرفي المحلي وبين معدل النمو الاقتصادي، إذ يرتفع الائتمان بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي. ويحرص مصرف قطر المركزي في العادة على أن يسمح بنمو الائتمان بشكل يلبي احتياجات النمو دون أن يؤدي إلى انفلات الأسعار أو إلى تهديد الاستقرار المالي للجهاز المصرفي. وقد نما الناتج المحلي القطري في العامين الماضيين بشكل متسارع وقوي ونما معه الائتمان المصرفي بنسب أعلى وحدث ارتفاع كبير في الأسعار في عام 2004 مقارنة بما كان عليه الحال في عام 2002 والسنوات السابقة، ومع ذلك لم يخرج معدل التضخم عن السيطرة، وظل دون العشرة بالمائة. بل إن آخر الأرقام المتاحة تشير إلى تراجع معدل التضخم في الربع الأول من العام.
وتشير الأرقام الصادرة عن مجلس التخطيط بهذا الخصوص إلى أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك قد انخفض في الربع الأول بنسبة 0.22 % بعد أن شهد زيادات مطردة في العامين السابقين. وهذا التراجع الطارئ على مستويات الأسعار كان له أكثر من سبب؛ من بينها أن سعر صرف الريال قد تحسن أمام العملات غير الدولارية كالين واليورو بنسبة 1.4% ما بين ديسمبر 2004 ومارس2005. أي أنه بدلاً من أن ينخفض سعر صرف الريال كما في الفترات السابقة فإنه قد ارتفع مُحدثاً بذلك انخفاضاً ولو محدود على أسعار السلع المستوردة.
والحفاظ على استقرار سعر صرف الريال مقابل الدولار هو من أولويات السياسة النقدية لمصرف قطر المركزي، ومع ذلك فإن العناصر الأخرى لهذه السياسة قد ساهمت هي الأخرى في كبح جماح التضخم وعدم السماح بانفلات الأسعار رغم أن الظروف الأخرى كانت تدفع في الاتجاه المعاكس.
الجدير بالذكر أن عرض النقد في قطر كان ينمو بشكل متسارع جداً في الأعوام الأخيرة نتيجة تدفق الأموال إلى قطر لعوامل معروفة، منها ما هو خارجي كأحداث 11 سبتمبر وتداعياتها، وارتفاع أسعار النفط، ومنها ما هو داخلي يتمثل في زيادة الإنفاق العام على مشروعات البنية التحتية. ومع زيادة عرض النقد كان لا بد أن تميل الأسعار إلى الارتفاع في ظل التهافت على شراء الأصول كالعقارات والأسهم. ولو تساهل مصرف قطر المركزي في سياسته النقدية والمصرفية إزاء هذا التسارع في نمو عرض النقد، ولم يلتزم بالضوابط التي تفرضها دواعي الحفاظ على الاستقرار المالي وتقليل درجات المخاطرة، فإن الانفلات في الأسعار كان سيتواصل وربما خرج عن السيطرة بوصوله إلى أكثر من 10%. فماذا فعل المصرف حتى لا يسمح بانفلات الأسعار؟
أولاً : عمد إلى رفع معدل الفائدة على الريال بحيث وصل سعر المصرف-وهو سعر الفائدة الأساسية على الريال-إلى 3.25% مقارنة بـ 1.25% قبل عام. وبزيادة سعر المصرف تزيد تكلفة الأموال المقترضة من الجهاز المصرفي وبالتالي يعمل ذلك على الحد من طلبات القروض ومن دوران النقود في المجتمع.
ثانياً: عمل المصرف على عدم التهاون في تطبيق النسب المصرفية؛ كنسبة السيولة ونسبة الائتمان إلى الودائع ونسب التمويل العقاري بحيث تتماشى مع متطلبات المرحلة دون السماح بحدوث توسعات بأكثر مما يحتمله الوضع المصرفي.
وفي شرح ما نعنيه في العبارة الأخيرة نشير إلى أن الائتمان المحلي الكلي قد ارتفع في العامين الأخيرين ما بين عامي 2004 و2002 بنسبة 34.3% ليصل إلى 48.3 مليار، وارتفع الائتمان الممنوح للقطاع الخاص فقط بنسبة 55.7% إلى 29.8 مليار. وفي المقابل فإن إجمالي الودائع قد نما في الفترة ذاتها بنسبة اقل هي32.8%،( أي اقل من نمو الائتمان) وزاد الناتج الإجمالي للقطاعات غير النفطية بنسبة 26.4% إلى 39.2 مليار ريال. أي أن الائتمان المحلي نما بأسرع من نمو الودائع وبأسرع من نمو الناتج المحلي الإجمالي للقطاعات غير النفطية. وذلك يشير بوضوح إلى أنه رغم تمسك مصرف قطر المركزي بالثوابت التي تحمي الجهاز المصرفي من التقلبات الحادة وبما يساعد على عدم انفلات الأسعار، إلا أنه لم يمنع من نمو الائتمان المحلي الموجه للقطاع الخاص. ولقد تضاعف الائتمان الموجه للأراضي أربع مرات من 1040 مليون عام 2002 إلى 4053.6 مليون ريال عام 2004. كما تضاعف الائتمان الموجه لقطاع الإنشاءات من 246.5 مليون ريال عام 2002 إلى 1658.1 مليون ريال عام 2004.
صحيح أن النمو الاقتصادي المتسارع يضغط باتجاه المزيد من النمو في حجم الائتمان من الجهاز المصرفي، إلا أن ذلك يجب الآ يصرف مصرف قطر المركزي عن دوره الأساسي في الحفاظ على استقرار الأسعار وعلى الاستقرار المالي في البلاد وعدم تعريضها لشبح الأزمات المالية التي أصابت في السابق دولاً أخرى عديدة.