تـراجع أسعار النفط بعد شهادة وكالة المخابرات المركزية

ارتفاع أسعار النفط هذا العام وفي الأعوام السابقة هو نتيجة منطقية لاختلال موازين العرض والطلب. وفي حين شهد الطلب العالمي نمواً مضطرداً خلال العقدين الماضيين، فإن هذا النمو قد زادت وتيرته في الأعوام الأخيرة بسبب النمو الاقتصادي المرتفع في الصين والهند، وبدرجة أقل في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي المقابل، فإن إمدادات النفط قد شهدت سلسلة من الانقطاعات منذ بداية عهد الرئيس بوش تقريباً. فهذه الإدارة قد بدأت بمواقفها التصادمية مع منتجي النفط بمواجهة مع الرئيس شافيز في فنزويلا عام 2002، وكان من نتيجة ذلك أن توقفت معظم صادرات النفط الفنزويلية في ذلك العام. ثم تلى ذلك الغزو الأمريكي للعراق، وفي البداية لم ترتفع الأسعار كثيراً لأن التوقعات كانت ترجح ارتفاع انتاج العراق من النفط إلى 6 مليون ب/ي بعد استتباب الأمر للمحتلين، ولكن ذلك لم يحدث وأدت أعمال المقاومة إلى استمرار الإنتاج عند مستوى لا يزيد عما كان عليه في عهد الرئيس صدام حسين، وهو 2.5 مليون برميل يومياً، وأدى ذلك منذ عام 2005 إلى ارتفاع سعر البرميل فوق الخمسين دولار للبرميل.

ومنذ عام 2006 بدا واضحاً أن الإدارة الأمريكية تصعد المواجهة مع إيران بسبب برنامجها النووي، فقفزت الأسعار فوق السبعين دولار في عام 2006، ثم إلى قرابة المائة دولار في الشهر الماضي.

وكما يقول المثل: على نفسها جنت براقش، فالارتفاع الكبير في أسعار النفط قد عمل في غير مصلحة الولايات المتحدة ، فهي أكبر مستهلك ومستورد للنفط ومنتجاته في العالم، وتستهلك ربع الإنتاج العالمي، وتستورد نصف ما تستهلكه. وقد أثر الارتفاع الكبير سلباً على الاقتصاد الأمريكي وعلى الدولار في بلد يصل فيه عجز الحساب الجاري السنوي إلى 800 مليار دولار. وفي المقابل أفاد الارتفاع إيران وروسيا حيث تمكنت إيران بفضل إيراداتها الضخمة من أن تصعد من تحديها للولايات المتحدة ، كما أن روسيا التي إنهار اقتصادها بعد انتهاء الحرب الباردة عام 1991 قد عادت إلى الإزدهار بقوة باعتبارها ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم وإلى لعب دور مهم في القضايا العالمية وخاصة في مسألة إيران النووية.

ويبدو أن إدارة بوش التي تعيش آخر عام لها في البيت الأبيض قد أدركت في وقت متأخر أن سياسة التصعيد مع إيران ليست ناجحة وأنها ستخسرها بالضربة القاضية على ملعب النفط بوجه خاص والاقتصاد بوجه عام. ومن ثم وجدنا أنها بدأت تتراجع، ولم تتمكن من توجيه الضربة المنتظرة لإيران في الصيف الماضي. وفي الوقت الذي كان من المنتظر أن يشهد هذا الشهر تصعيد العقوبات على إيران في مجلس الأمن، إذا بالمخابرات الأمريكية تفاجئ العالم بما يفيد أن معلوماتها الاستخبارية تشير إلى توقف البرنامج النووي العسكري لإيران منذ عام 2003. هذه التطورات المفاجئة أو لنقل هذا التراجع الإمريكي، وإن جاء من بوابة المخابرات المركزية، فإنه سيعمل على تهدئة مخاوف أسواق النفط، خاصة وأن البرادعى قد سبق ذلك وصعد من لهجته التحذيرية لجهة عدم وجود أي برنامج نووي عسكري لإيران وأنها أي إيران تتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل طيب.

وعلى ضوء ذلك أرى أن الأسعار ستنخفض في الشهور القادمة إلى ما بين 70-80 دولار للبرميل، ما لم يطرأ خلل جديد في ميزان العرض والطلب على النفط في العالم.