قراءة في أرقام المصرف المركزي (1-2)

متابعات اقتصادية

كيف بدت صورة الاقتصاد القطري في يونيو 2009؟؟

قراءة في أرقام المصرف المركزي (1-2)

بقلم بشير يوسف الكحلوت

مرة أخرى أعود لتلمس واستكشاف حالة الاقتصاد القطري كما بدت في منتصف عام 2009، واستند هذه المرة إلى الأرقام الصادرة عن مصرف قطر المركزي بشأن وضع الجهاز المصرفي الذي هو للاقتصاد بمثابة القلب في الجسد، كيف لا وهو المسؤول عن ضخ السيولة إلى كل أجزاء الجسم فيوفر له الغذاء والطاقة اللازمين لكل الأنشطة الحيوية، فإذا تعثر وصولهما إلى أي جزء فيه أصيب بالشلل. والجهاز المصرفي يقوم بدور مماثل في الاقتصاد فإذا ما أظهرت الأرقام الصادرة عنه نمواً متسارعاً في تلك الأرقام بأكثر من اللازم، نتج عن ذلك ارتفاعاً في معدل التضخم، وهو ما يشبه ارتفاع درجة الحرارة في جسم الإنسان إلى مستويات أعلى من المعتاد، أما إذا تباطأ نمو تلك الأرقام أو حدث تراجع فيها فإنه يكون مؤشر سلبي على أداء الاقتصاد ومدى سلامة وحداته ومكوناته. ومن بين الأرقام أو المجاميع الهامة التي تعبر عن وضع الجهاز المصرفي نتناول بالتحليل مجاميع البنوك التجارية وخاصة التسهيلات الإئتمانية والودائع وصافي الموجودات الأجنبية، ثم مجاميع البنك المركزي وخاصة عرض النقد بدرجاته المختلفة.

ولقد شهدت كافة مجاميع الجهاز المصرفي خلال السنوات الأربع الأخيرة وبالتحديد 2004-2008 تسارعاً في النمو يفوق المعتاد بكثير وهو ما نتج عنه ارتفاع معدل التضخم فوصل إلى مستوى 16.59% على معدل سنوي في منتصف عام 2008. ثم انقلب الحال منذ الربع الثالث من عام 2008، وبدأت تلك المجاميع في التباطؤ ثم في التراجع الأمر الذي هبط بمعدل التضخم من مستوياته المرتفعة المشار إليها إلى أقل من الصفر في الربع الأول من العام 2009، وذلك قبل أن تبدأ في الاستقرار عند المستويات المعتادة والتي بلغت 1.58% في شهر يونيو 2009 على معدل سنوي كما رأينا في مقال الأسبوع الماضي. وفيما يلي قراءة لبعض أهم مجاميع الجهاز المصرفي:

1-إجمالي التسهيلات الائتمانية: في الوقت الذي كانت فيه التسهيلات الائتمانية(أي القروض والتمويلات بكافة أشكالها) تنمو بمعدلات مرتفعة تجاوزت الخمسين بالمائة سنوياً في بعض السنوات الماضية، بحيث وصلت إلى 242.6 مليار ريال مع نهاية عام 2008، فإنها قد أخذت في التراجع منذ بداية العام أي أنها حققت نمواً سلبياً نتيجة توقف البنوك في تلك الفترة تقريباً عن تقديم الائتمان، ووصل رصيد التسهيلات في فبراير الماضي إلى 227.1 مليار ريال قبل أن يبدأ في التحسن التدريجي والبطيئ ليصل إلى 233.7 مليار ريال في نهاية يونيو الماضي.

ولو تأملنا تطور مكونات إجمالي التسهيلات سنجد الآتي:

• إجمالي قروض القطاع العام والحكومة؛ تراجعت بشدة من نحو 60.6 مليار في نهاية عام 2008 إلى 37 مليار ريال في مارس 2009، ثم بدأت في الارتفاع التدريجي حتى وصلت إلى 47 مليار ريال في نهاية يونيو 2009. ويُنظر إلى تراجع قروض الحكومة والقطاع العام على أنه أمر صحي لأنه يزاحم إمكانية حصول القطاع الخاص على القروض، ولذا فإن انخفاضها في مارس كان مطلوباً بعد أن تضاعفت في ديسمبر 2008 إلى ثلاثة أمثال ما كانت عليه في ديسمبر 2006 فقط. وعودة الأرقام إلى الارتفاع المحدود يظل أمراً مقبولا بشرط أن يكون بمعدلات معقولة.

• إجمالي القروض الاستهلاكية (أي القروض الممنوحة للأفراد لشراء سلع استهلاكية)؛ وكان رصيد هذه القروض قد ارتفع في ديسمبر 2008 إلى 56.8 مليار ريال أو أربعة أمثال ما كان عليه في ديسمبر 2004، ولكن هذا الرصيد تجمد في النصف الأول من عام 2009 بحيث كان في شهر يونيو أقل قليلاً من مستواه في ديسمبر الماضي. هذا التجمد يعكس تشدد البنوك في منح القروض الشخصية، ولكنه يظل أحسن حالاً مما لو أصابها تراجع حاد نتيجة إعسار المدينين أو توقف البنوك تماماً عن منح القروض كما حدث في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009 لفترة مؤقتة.

• الائتمان المقدم للتجارة العامة: تضاعف حجم هذه التسهيلات من 6.1 مليار ريال في ديسمبر 2004 إلى 21.9 مليار ريال في ديسمبر 2008، ورغم الأزمة استمر الرقم في الارتفاع ووصل إلى 25.8 مليار ريال في مارس 2009 باعتبار أن تمويل التعاقدات التجارية يكون متفقاً عليه سابقاً ولا يمكن وقفه بشكل فجائي. على أن رصيد هذا النوع من الائتمان قد عاد إلى الإنخفاض في الربع الثاني من العام ليصل إلى مستوى 22.6 مليار ريال، وهو أمر منطقي في ظل تراجع أسعار المستوردات من ناحية وتراجع الطلب المحلي من ناحية أخرى.

• قروض العقارات: سجلت القروض والتمويلات العقارية واحداً من بين أعلى معدلات النمو في السنوات الأربع السابقة حيث قفز رصيدها من 4.1 مليار ريال في ديسمبر 2004 إلى 33.3 مليار في ديسمبر 2008 (أي ثمانية أمثال)، ورغم الأزمة المالية إلا أن إجمالي هذا البند قد واصل ارتفاعه إلى 37 مليار ريال في فبراير 2009 (!) ، وذلك قبل أن تبدأ تداعيات الأزمة في التأثير على هذا القطاع وعلى التمويل المقدم له فتوقف نمو رصيد القروض والتسهيلات في الشهور التالية وسجل أول تراجع له في شهر يونيو عندما انخفض الرقم إلى 35.8 مليار مع نهاية يونيو 2009. وربما يكون التراجع نتيجة لانخفاض أسعار العقارات وتشدد البنوك عن الإقراض لهذه القطاع إلا بضمانات نقدية أو حكومية.

• الائتمان الخارجي؛ كان النمو في الائتمان والتمويل الخارجي هو الأسرع على الإطلاق في السنوات الأربع الماضية حيث قفز من 1.2 مليار ريال في ديسمبر 2004 إلى 21.8 مليار في ديسمبر 2008، وبعد عدة شهور من التوقف عن النمو تقريباً عاد وارتفع في مارس وأبريل ومايو ليصل إلى 23.1 مليار ريال قبل أن ينخفض في يونيو إلى 18.4 مليار ريال عاكساً الاتجاه السابق بقوة.

• وعلى عكس الأنواع السابقة نجد أن الائتمان المقدم لبقية القطاعات قد واصل نموه في عام 2009، ربما لأن طبيعة التعاقد مع هذه القطاعات لا تحتمل التوقف الفجائي ولا بد من إبراء ما تم الاتفاق عليه، أو ربما لأن التعامل مع هذه القطاعات أكثر أماناً من غيرها. ونشير في ذلك إلى قروض وتمويلات المقاولين التي وصلت إلى ذروتها في يونيو 2009 أي إلى 13.5 مليار ريال، وقروض قطاع الخدمات التي وصلت إلى ذروتها في يونيو أو إلى 27.4 مليار. وكان الحال مماثلاً وإن بدرجة أقل في قطاع الصناعة وفي بند قطاعات أخرى حيث واصلت القروض ارتفاعها في عام 2009، وإن توقفت عن النمو في الشهور الثلاثة الأخيرة كما في الصناعة أو تراجعت في الشهر الأخيرفقط كما في قطاعات أخرى.

وفي خلاصة ما تقدم نجد أن الأزمة العالمية قد أثرت بقوة على النشاط الاقتصادي في دولة قطر في النصف الأول من العام 2009، وأن هذا التأثير لم يكن سيئاً كله إذ ساهم في إعادة ترتيب الأولويات على نحو أفضل وساعد في انفجار فقاعة التضخم قبل أن تخرج عن السيطرة. وسنكمل في المقال القادم بمشيئة اله0 قراءة الواقع الاقتصادي في قطر كما أظهرته بقية البيانات المصرفية لمصرف قطر المركزي لشهر يونيو 2009.