قراءة في أرقام المصرف المركزي (2-2)

كيف بدت صورة الاقتصاد القطري في يونيو 2009؟؟

قراءة في أرقام المصرف المركزي (2-2)

بقلم بشير يوسف الكحلوت

عرضت في المقال السابق لصورة الاقتصاد القطري كما عكستها بيانات القروض والتمويلات المصرفية للبنوك التجارية، وتبين من العرض أن البنوك بدأت في الربع الثاني من العام العودة التدريجية للنمط المألوف في عملها بعد أن شهدت زيادات حادة في السنوات السابقة حتى النصف الأول من العام 2008، أعقبها توقف في النمو، بل وتراجع حتى الربع الأول من العام الحالي. وفي مقال اليوم نستكمل بناء الصورة من واقع الأرقام الخاصة بنشاط مصرف قطر المركزي، وبوجه خاص تطور موجوداته ومطلوباته.

وفيما يتعلق بموجودات ومطلوبات مصرف قطر المركزي نجد أنها في تطورها عبر السنوات الماضية قد واكبت التطور الذي أصابته معظم المجاميع المصرفية الأخرى فهي قد تضاعفت حتى يونيو 2008 إلى نحو خمسة أمثال ما كانت عليه في ديسمبر 2004 تقريباً، أي من 12.9 مليار ريال إلى 61.2 مليار ريال، ثم تراجعت بشدة في شهري يوليو وأغسطس2008 إلى 42.7 مليار ريال، وظلت بعد ذلك مستقرة عند أو فوق هذا المستوى حتى يناير 2009، ثم عادت إلى الارتفاع بقوة في الشهور التالية إلى أن وصلت إلى مستوى 63 مليار ريال في يونيو الماضي. وإذا كان الارتفاع الكبير في موجودات المصرف المركزي ومطلوباته حتى يونيو 2008 مبرراً بتسارع معدلات النمو الاقتصادي في قطر من ناحية، وتكالب البنوك الأجنبية على الإيداع بالريال القطري تحسباُ من رفعٍ -كان يبدو شبه مؤكد- في قيمة الريال من ناحية أخرى، وإذا كان التراجع الحاد في شهري يوليو وأغسطس 2008 لهذه المطلوبات والموجودات قد بدا مبرراً أيضاً من تراجع معدل النمو في النشاط الاقتصادي في تلك الفترة وانسحاب الودائع الأجنبية بالريال بعد أن خسرت الرهان على رفع قيمة الريال مقابل الدولار، فإن العودة السريعة للمطلوبات إلى أكثر مما كانت عليه قبل سنة؛ أي إلى 63 مليار ريال، أمر لا ينسجم مع نمو النشاط الاقتصادي في النصف الأول من العام 2009 حيث أن الاقتصاد قد عاد بالكاد إلى النمو في الربع الثاني، بل يُعزى لاعتبارات أخرى. فهذه العودة القوية لموجودات ومطلوبات المصرف لا يمكن تبريرها إلا بزيادة ودائع البنوك لدى المصرف، لا بغرض المضاربة على الريال فقط -بعد أن عاد سعر صرف الدولار إلى الانخفاض أمام اليورو -وإنما للاستفادة من فارق معدلات الفائدة بين الريال والدولار والذي يصل إلى 1.75 نقطة مئوية. المعروف أن السياسة النقدية المعلنة لمصرف قطر المركزي-كما هي لبقية البنوك المركزية الخليجية- قد توقفت منذ بداية عام 2008 عن ملاحقة التغيرات التي تطرأ على سعر الفائدة لبنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي رغم استمرار الربط مع الدولار الأمريكي عند سعر ثابت. ولقد كان لهذا التوقف عن الملاحقة في وقت سابق ما يبرره لجهة القول بارتفاع معدل التضخم في قطر وضرورة مواجهته، أما وقد هبط المعدل بشدة إلى 1.58% في يونيو 2009 فإن الحاجة تبدو ظاهرة لمراجعة مستوى سعر فائدة المصرف كما فعل مصرف الإمارات المركزي في الشهر الماضي. ومثل هذا المراجعة قد تساعد في دفع البنوك إلى تقديم المزيد من التسهيلات للجمهور، بدلاً من تفضيل إيداعها لدى المركزي.

وتعطي البيانات التفصيلية عن تطور بعض بنود المطلوبات المزيد من الإيضاحات لصورة الاقتصاد القطري وذلك على النحو التالي:

1- النقد المصدر: كانت هنالك زيادة مضطردة في النقد المصدر ما بين ديسمبر 2004 و سبتمبر 2008 بحيث تضاغف الرقم(مرة واحدة) إلى 7.3 مليار ريال وأعقب ذلك تراجعٌ محدود إلى نحو 6.8 مليار ريال حتى نهاية مارس 2009، ثم شهد الربع الثاني زيادات محدودة إلى 7.1 مليار ريال. والنقد المصدر مرتبط تماماً بمستوى النشاط الاقتصادى، وبالتالي فإن عودته للارتفاع مؤشر خير على العودة للنمو.

2- الإحتياطي الإلزامي: تضاعف هذا الرقم من 1.6 مليار ريال في ديسمبر 2004 إلى 10.4 مليار ريال في يوليو 2008، وذلك قبل أن يتراجع قليلاً في الشهور التالية، وإن ظل فوق العشرة مليارات حتى يناير 2009، ثم سجل المزيد من التراجع حتى شهر إبريل إلى 9.8 مليار ريال قبل أن يعود للارتفاع قليلاً في مايو، وليصل إلى 10.2 مليار ريال في شهر يونيو، عاكساً بذلك تحسناً محدوداً في مستوى الودائع لدى البنوك. ويتأتى التغير في حجم الاحتياطي الإلزامي في الظروف العادية من تغير إجمالي الودائع لدى البنوك، ولكن تغيير نسبة الاحتياطي يؤثر هو الآخر، وقد بدأ المصرف في زيادة النسبة منذ سبتمبر 2007، ورفعها بعد ذلك أكثر من مرة في عام 2008 لتصل إلى 4.75% مقارنة بـ 2.75% قبل سبتمبر 2007. وكان الهدف من الزيادات الحد من قدرة البنوك على منح القروض ومن ثم كبح جماح الزيادات المتتالية في معدل التضخم. ورغم تبدل الأحوال ظلت النسبة مرتفعة مما يستلزم-من وجهة نظري- مراجعة تلك النسبة وخفضها ولو بالتدريج لتنشيط الاقتصاد.

3- ودائع البنوك المحلية لدى المصرف: تحتفظ البنوك المحلية لدى المصرف بمبالغ لتغطية عمليات المقاصة، وقد كان المستوى المعتاد لذلك حتى ديسمبر 2006 في حدود ملياري ريال. وقفز الرقم خلال عام 2007 والنصف الأول من العام 2008 حتى وصل إلى إلى نحو 22 مليار ريال في يونيو 2008، وكان الدافع لذلك كما أشرنا المضاربة على الريال. ثم انخفض الرقم إلى أقل من أربعة مليارات في أغسطس وظل قريباً من هذا الرقم حتى يناير 2009، ولكنه شهد بعد ذلك ارتفاعات ملحوظة حتى وصل ثانية إلى 23.8 مليار في شهر يونيو الماضي، وهو ما لا يمكن تفسيره إلا بالرغبة في الاستفادة من فارق معدلات الفائدة.

4- شهادات الإيداع: بدأ المصرف منذ بداية عام 2008 إصدار شهادات إيداع بالريال القطري لامتصاص فائض السيولة لدى البنوك إضافة إلى تحقيق أهداف نقدية أخرى. وقد تزايد حجم الإصدارات وتجاوز العشرة مليارات ريال قبل أن ينخفض ثانية إلى قرابة الخمسة مليارات في ديسمبر 2008 واستقر فوق هذا الرقم بعد ذلك عاكساً انقضاء الهدف الأصلي له وإن ظلت الحاجة لهذه الأداة قائمة للأهداف الأخرى.

كانت هذه بعض ملامح الاقتصاد القطري كما رسمتها أرقام مصرف قطر المركزي في يونيو 2009، وقد حاولت في المقالين التركيز على الأمور المهمة، وإن كانت هناك جوانب أخرى مثل عرض النقد بدرجاته المختلفة وصافي الموجودات الأجنبية، وهي أمور مهمة، فلعلني أعود إليها بالشرح والتحليل عند صدور بيانات جديدة عن المصرف.