عاد معدل التضخم إلى الانخفاض في شهري يوليو وأغسطس وهبط دون الصفر على معدل سنوي أو إلى- 2.4% و- 2.7% على التوالي، مسجلاً بذلك عودة لما يعرف بالتضخم السلبي الذي تحقق في الربع الأول من العام، وعاكساً فترة من الارتفاع المؤقت والمحدود في شهري مايو ويونيو إلى 3.59% و 1.58% على التوالي، فما هي أسباب هذا التراجع وما دلالاته؟
بداية نشير إلى أن هذا الإنخفاض الذي حدث في ذروة شهري الصيف، ربما يكون نتيجة مباشرة لتراجع النشاط الاقتصادي في هذه الفترة لدواعي موسمية تتمثل في انخفاض عدد السكان بسبب موسم الإجازات ومن ثم تراجع الطلب مما أدى إلى تراجع في مستويات الأسعار. وهناك مبررآخر يتمثل في تراجع تعرفة الاتصالات بعد دخول فودافون كمنافس لكيوتيل في خدمة الهواتف النقالة. وفي كل الأحوال لا يمكن فصل هذا التراجع عن تداعيات الأزمة العالمية التي استمر تأثيرها على كثير من الأنشطة الاقتصادية.
وبتحليل ما جرى نجد أن الرقم القياسي لبند الإيجارات قد انخفض في شهر أغسطس إلى مستوى 135.79 نقطة مقارنة بـ 137.94 نقطة في يوليو و 138.75 نقطة في يونيو، ولكن هذا الرقم انخفض على معدل سنوي بنسبة 1.7% مقارنة بالربع الثالث من العام 2008 الذي بلغ 143.5 نقطة، ( مع مراعاة تعديل أرقام عام 2008 بتغير سنة الأساس، وأخذ أوزان الترجيح الجديدة لمجموعات السلع والخدمات بعين الأعتبار، وهذا التعديل ينطبق على بقية أرقام عام 2008 التي سيلي ذكرها). والحقيقة أن معدلات الإيجار مرشحة لمزيد من التراجع في الشهور المتبقية من السنة بسبب تزايد المعروض من الوحدات السكنية وهو ما أصبحنا نلمسه بوضوح من كثرة الإعلان عن وحدات للإيجار سواء في الصحف اليومية أو قريباً من المباني الشاغرة. وبالنظر إلى أن وزن الترجيح الجديد لبند الإيجار يصل إلى 32.15% من سلة الإنفاق في المتوسط لذا فإن تراجع معدلات الإيجار يؤثر بشكل قوي على مستوى التغير الكلي في الأسعار أو معدل التضخم.
وتراجع الرقم القياسي لبند النقل والمواصلات في شهر أغسطس إلى 105.34 نقطة مقارنة بـ 106.33 في يوليو و 107.35 نقطة في يونيو، ولكنه انخفض بنسبة 1.1% عن مستواه(المعدل) في الربع الثالث من العام 2008 الذي بلغ 111.34 نقطة. وكما أشرت أعلاه، فإن هذا التراجع يمكن أن يُعزى إلى انخفاض تعرفة الاتصالات بتأثير المنافسة بين كيوتيل وفودافون، إضافة إلى انخفاض اسعار تذاكر الطيران بعد اقتراب موسم السفر والإجازات من نهايته.
وإلى جانب الإنخفاض الملموس في بندي الإيجارات والنقل والمواصلات في شهري يوليو وأغسطس، فإن معظم البنود الأخرى أصابت انخفاضاً طفيفاً سواء في ذلك بند الملابس والأحذية أو بند الأثاث والمنسوجات، أو بند التسلية والترفيه والثقافة، أو بند خدمات الرعاية الصحية.
وقد اقتصر الارتفاع في الأسعار في شهر أغسطس على بندين إثنين فقط هما بند الأغذية والمشروبات والتبغ وبند السلع والخدمات المتفرقة. وفيما يتعلق ببند الأغذية والمشروبات والتبغ فقد ارتفع الرقم القياسي في شهر أغسطس إلى مستوى 131.71 نقطة مسجلاً بذلك زيادة ملحوظة عن شهر يوليو الذي بلغ فيه 124.82 نقطة، كما أنه أعلى من مستواه المتحقق في شهر يونيو البالغ 125.16 نقطة، وأعلى من مستواه في الربع الثالث من العام 2008 البالغ 127.65 نقطة بنسبة 0.4%. وهذا الارتفاع المفاجئ في الأسعار-على عكس الاتجاه العام- قد يُعزى إلى زيادة الطلب على السلع الخدمات في شهر رمضان المبارك وخاصة مع عودة جزء كبير من المسافرين خارج البلاد في عطلات صيفية. وقد يعود هذا الرقم إلى الإنخفاض في شهر سبتمبر بعد انتهاء شهر رمضان من ناحية والقرارات المهمة التي اتخذتها الحكومة القطرية بتوجيهات من سمو ولي العهد لضبط الأسعار وحماية المستهلكين.
كما ارتفع الرقم القياسي للسلع والخدمات المتفرقة في شهر أغسطس بنسبة 0.5% على معدل سنوي ليصل إلى 125.81 نقطة مقارنة بـ 117.62 نقطة في الربع الثالث من العام 2008، وهو ما قد يُعزى إلى تراجع سعر صرف الريال مقابل العملات الأخرى بخلاف الدولار.
هذه العودة السريعة لمعدل التضخم إلى ما دون الصفر تعد أمراً طبيعياً إذا ما نظرنا إليها من منظور التراجع المؤقت لدواعي موسمية كما أشرت في بداية المقال، ولكنها ستكون غير ذلك إذا ما تواصلت في الشهور المتبقية من السنة، لأنها ستعكس عندئذٍ تراجعاً في مستوى النشاط الاقتصادي في البلاد، بما يستحقه ذلك من ضرورة التحرك لاتخاذ قرارات مهمة على صعيد السياستين المالية والنقدية. وقد أشرت إلى شيء من هذا القبيل في مقال الأسبوع الماضي: قراءة في أرقام مصرف قطر المركزي، عندما تحدثت عن أهمية الخفض التدريجي لنسبة الإحتياطي الإلزامي، و خفض سعر فائدة إيداع البنوك لدى مصرف قطر المركزي لحث البنوك على التوسع في التمويل والإقراض بدلاً من حجز الأموال لدى المصرف المركزي.
وبعد.. فقد اجتهدت في هذا المقال لحساب معدل التضخم لشهري يوليو وأغسطس استناداً للأرقام القياسية التي صدرت في الأسبوع الماضي عن جهاز الإحصاء، وتلخص اجتهادي في تعديل الأرقام المناظرة لعام 2008، واستخدام الأوزان الترجيحية الجديدة للسلع والخدمات في حساب معدل التضخم للشهرين المذكورين. كما اجتهدت في تقديم التفسيرات والدلالات لما طرأ على النسب والأرقام من تغير، وفي إبداء الرأي بما قد يحتاجه الموقف من تغيير في السياسات. وهذا الاجتهاد في مجمله هدية لقرائي الأعزاء في عيد الفطر وخاصة للمهتمين منهم بالشأن الاقتصادي، فكل عام وأنتم بخير