مراجعة بالأرقام لحالة الاقتصاد القطري في أغسطس

مستشار اقتصادي/منظمة الخليج للاستشارات الصناعية

نواصل في هذا المقال التعرف على ملامح الاقتصاد القطري كما ترسمها الأرقام التي تصدر تباعاً من مصادر مختلفة، لنرى إذا ما كانت الأمور تسير إلى الأحسن بعد الكبوة التي تسببت فيها الأزمة المالية العالمية، والتي ظهرت نتائجها بشكل واضح في الربع الأول من العام، أم أن ارتباط الاقتصاد القطري بالاقتصاد العالمي وانفتاحه القوي عليه يجعله رهينة للتقلبات التي تحدث في الاقتصادات الأخرى وخاصة المتقدمة منها. الجدير بالذكر أن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى احتمال خروج الاقتصادات المتقدمة من الركود في الربع الحالي من السنة وأنها قد تسجل انتعاشاً في العام 2010. ومع ذلك حذر الصندوق من أن يؤدي تراخي موقف الحكومات من التعامل مع الأزمة إلى حدوث انتكاسة قد تعيد الاقتصادات إلى حالة الركود.

ومما يعزز من هذه المخاوف أن معدلات البطالة في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان قد واصلت ارتفاعها في شهر سبتمبر فوصلت إلى 9.8% في الولايات المتحدة –وهو أعلى معدل منذ عام 1983- و 9.6% في منطقة اليورو – وهو الأعلى في عشر سنوات- وفي اليابان وصل المعدل إلى 5.7%. هذه المعدلات القياسية للبطالة تعني ببساطة أن النمو الاقتصادي في تلك الدول والمجموعات هو من الضعف بحيث أنه غير قادر على إيجاد فرص عمل جديدة، وأن تزايد أعداد العاطلين يقلص بدوره من قدرة المجتمعات على الإنفاق (أي الإنفاق الخاص)- الذي هو المحرك الأساسي للنمو- ويظل النمو بالتالي معتمداً على الإنفاق الحكومي. وهذا الأخير يتسبب في زيادة العجوزات المالية للدول في ظل تراجع إيراداتها، مما يتسبب في حدوث ارتفاع في معدلات الفائدة، واختلال في أسعار الصرف، ومن ثم دخول الاقتصادات في دوامة من المشاكل التي تجعلها غير قادرة على النمو.

وفي قطر لم تصدر حتى الآن الأرقام الرسمية لنمو الناتج المحلي الإجمالي لفترة الربع الثاني من العام رغم دخولنا لفترة الربع الرابع، وإن كانت المؤشرات الأولية تشير إلى أن أداء الاقتصاد القطري كان في الربعين الثاني والثالث أفضل منه في الربع الأول, وقد عرضت في مقالات سابقة للتحسن الذي طرأ على سعر النفط، وعلى زيادة إنتاج قطر من الغاز المسال من مشروعات جديدة، وإلى ارتفاع معدل التضخم في الربع الثاني إلى 1.58% بعد هبوطه دون الصفر في الربع الأول. صحيح أن معدل التضخم قد انخفض بشكل مفاجئ في شهري يوليو وأغسطس وأنه هبط دون الصفر ثانية ووصل إلى مستوى 2.8% في شهر أغسطس، إلا أن ذلك قد يعود في جزء منه على الأقل موسم السفر والإجازات مما أضعف من قوة الطلب على السلع والخدمات لاعتبارات موسمية. وبعد أن عاد الناس، وارتفع عدد السكان إلى 1.624 مليون نسمة، فإن معدل التضخم قد يعود إلى الارتفاع في الربع الأخير من العام، وهو من الأمور الحيوية الدالة على حالة الاقتصاد بحيث أن ارتفاعاً في حدود 3% يكون مؤشراً على نمو معتدل للأنشطة الاقتصادية، في حين أن بقاء المعدل دون الصفر يكون دالاً على الإنكماش والتراجع.

ومن الأرقام الصادرة حديثاً ما ورد في موقع مصرف قطر المركزي من بيانات عن الميزاينة الشهرية المجمعة للبنوك لشهري أغسطس ويوليو، وقد تضمنت مجموعة مهمة من البيانات التي تشرح اتجاه التطورات في الجهاز المصرفي الذي هو للاقتصاد بمثابة الجهاز الدوري في جسم الإنسان. ونعرض لأهم تلك البيانات على النحو التالي:

– أن ودائع العملاء قد ارتفعت من 221.9 مليار ريال في نهاية شهر يونيو إلى 230.7 مليار في نهاية شهر يوليو، ثم إلى 235.2 مليار ريال في نهاية شهر أغسطس، أي بزيادة 6% في شهرين، الجدير بالذكر أن جزء كبير من الزيادة قد طرأ على الودائع الجارية وتحت الطلب مما يعني أن تلك الزيادة قد نتجت في جزء أساسي منها نتيجة ارتفاع أسعار الأسهم في بورصة قطر.

– أن التسهيلات قصيرة الأجل المقدمة من مصرف قطر المركزي للبنوك قد تراجعت من 5.2 مليار ريال في نهاية يونيو إلى 4.2 مليار في نهاية يوليو ثم إلى 3.6 مليار ريال في نهاية أغسطس.

– أن التسهيلات الائتمانية المقدمة من البنوك قد ظلت مستقرة في شهر يوليو مقارنة بشهر يونيو عند مستوى 234 مليار ريال، من بينها 215.7 مليار داخل قطر ونحو 18 مليار خارج قطر. وقد حدثت قفزة كبيرة في حجم التسهيلات في شهر أغسطس إلى 257.9 مليار ريال، ذهب معظمها إلى الداخل فارتفع حجم الائتمان المحلي إلى 239.6 مليار ريال بزيادة 23.9 مليار ريال. والملاحظ أن القطاع العام قد استحوذ على 20.8 مليار ريال من هذه الزيادة، فارتفع نصيبه من الائتمان إلى 64.1 مليار ريال، وحصلت الحكومة على معظم الزيادة الطارئة وارتفع نصيبها إلى 32.1 مليار ريال، فيما حصل القطاع العام والقطاع شبه الحكومي على نحو 32.5 مليار. واستحوذ القطاع الخاص على 3.9 مليار من الزيادة في شهر أغسطس لترتفع حصته الإجمالية إلى 175 مليار ريال.

– أن كل الزيادة في نصيب القطاع الخاص من الائتمان قد ذهبت إلى قطاع العقارات الذي ارتفع ائتمانه بنحو 4.1 مليار ريال إلى 41 مليار ريال. وسجلت القروض الشخصية زيادة بنحو 0.3 مليار إلى 58.7 مليار في أغسطس، إلا أن الزيادة ترتفع إلى 2.4 مليار إذا ما قورنت بمستوى القروض الشخصية في شهر يونيو. وسجلت بقية القطاعات كالصناعة والخدمات والمقاولات تراجعات محدودة أو أنها ظلت مستقرة بدون تغير يذكر كما في قطاع التجارة أو القطاعات الأخرى.

والخلاصة أن الزيادة المفاجئة في التسهيلات الائتمانية بنسبة 10.4% في شهر أغسطس-وهي التطور الأبرز في هذا الشهر- قد ذهبت إلى القطاع الحكومي، وإلى قطاع العقارات، ومن ثم فإنها لا تعكس تبدلاً حقيقياً في مستوى النشاط الاقتصادي في أغسطس.