ارتفاع سعر الدولار وتأثيراته على اقتصادات المنطقة

من المسلم به أن لارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاضه أمام العملات الأخرى وخاصة اليورو تأثيرات عميقة على اقتصادات دول مجلس التعاون، وخاصة على حساباتها الجارية، وعلى موازين مدفوعاتها بوجه عام، وعلى معدلات التضخم فيها، وحجوم التداول في بورصاتها وأسواقها المالية. وقد سجل سعر صرف الدولار ارتفاعاً ملحوظاً(بنسبة 10%) أمام اليورو منذ 25 نوفمبر الماضي، بحيث وصل عند الإقفال يوم الجمعة إلى 1.3678 دولار لكل يورو مقارنة بـ1.5144 دولار في نوفمبر. وقد عدل خبراء مورجان ستانلي من توقعاتهم المتفائلة بشأن سعر صرف الدولار بحيث باتوا يرجحون ارتفاعه إلى 1.24 دولار بدلاً من التوقع السابق البالغ 1.32 دولار لكل يورو.

وهذا الارتفاع الملحوظ في سعر صرف الدولار لم يأت من فراغ وإنما كرد فعل لأخبار جيدة عن الاقتصاد الأمريكي، كان آخرها تراجع معدل البطالة في الولايات المتحدة لشهر يناير إلى مستوى 9.7% مقارنة بـ 10% في شهر ديسمبر. وكان المعدل في حالة ارتفاع متواصل منذ إبريل الماضي بحيث وصل إلى مستوى 10.4% في شهر نوفمبر، مقارنة بـ 8.7% في أبريل، ومن ثم فإنه قد سجل تحسناً للشهر الثاني على التوالي. وجاء هذا التحسن متزامناً مع تحسن مفاجئ في معدل النمو الاقتصادي للربع الأخير من عام 2009 بحيث نما الاقتصاد بما نسبته 5.7% على معدل سنوي -أي مقارنة بالربع الرابع من عام 2008- ، مع توقع نمو الاقتصاد في عام 2010 بما نسبته 3.25%. وفي الوقت ذاته أظهرت البيانات المصرفية أن التراجع الحاد في مستوى القروض الشخصية منذ يناير 2009 والذي بلغ 17.5 مليار في نوفمبر الماضي قد تقلص بشدة في ديسمبر إلى 1.7 مليار دولار فقط. وهذا التطور يشير بوضوح إلى أن تداعيات الأزمة المالية على الاقتصاد الأمريكي قد بلغت ذروتها في شهر نوفمبر، وأن الأوضاع قد سجلت منعطفاً مهماً نحو التعافي والتحسن، وأن ذلك قد انعكس بشكل إيجابي على سعر صرف الدولار مقابل اليورو على نحو ما أسلفنا في بداية المقال. وبالطبع ليست هذه كل القصة، إذ أن هناك أسباب أوروربية للتحسن في سعر صرف الدولار تتمثل في وجود مشاكل مالية تواجه حكومة اليونان وبدرجة أقل حكومة أسبانيا؛ فاليونان لديها عجز كبير في الموازنة العامة للدولة تصل نسبته إلى 12.5%، وعليها خفض العجز إلى 3% حتى تفي بمتطلبات البقاء في الاتحاد النقدي الأوروبي، ويصل العجز في حالة أسبانيا إلى 11.4%. هذه المشاكل وغيرها دفعت البنك المركزي الأوروبي للإبقاء على سعر الفائدة على اليورو عند مستوى 1% هذا الأسبوع.

وإذا كان سعر صرف الدولار يمر في الأجل القصير في حالة تقوي وارتفاع أمام اليورو والاسترليني، فإن ذلك لا يتعارض مع وجهة النظر التي تقول بأن سعر صرف الدولار سيتدهور في الأجل الطويل نتيجة للعجز الكبير في الموازنة الأمريكية سنوياً والتي تقدر هذا العام بنحو تريليون ونصف دولار. وسيتأكد هذا التدهور في سعر صرف الدولار إذا تورطت الإدارة الأمريكية في مزيد من الحروب، أو إذا لم تستطع الخروج من مستنقعي العراق وأفغانستان خلال العامين القادمين.

المعروف أن التحسن قصير الأجل في سعر صرف الدولار يكون إيجابياً وتتركز أولى آثاره الملموسة في زيادة القوة الشرائية للدولار والعملات الخليجية المرتبطة به، ومن ثم انخفاض تكلفة المعيشة (وخاصة أسعارالسلع المستوردة) بحيث ستسجل معدلات التضخم تراجعاً في الشهور القادمة، وسيكون بإمكان المغتربين تحويل مبالغ مالية أكبر إلى بلدانهم بنفس المدخرات التي تتوافر لهم.

ولأن سعر الذهب يتحرك في كثير من الأوقات على عكس اتجاه سعر صرف الدولار، لذا فإن سعر الذهب قد تراجع منذ تجاوزه 1200 دولار للأونصة في نوفمبر، ومن المتوقع أن يسجل المزيد من التراجع مع التحسن المنتظر في سعر صرف الدولار.

ولأن ارتفاع سعر صرف الدولار يزيد من جاذبية الأصول المستثمرة به أو بالعملات المرتبطة به، لذا فمن المتوقع أن تزداد مشتريات الأجانب من أسهم الشركات القطرية ومن أسهم الشركات الخليجية بوجه عام، باعتبار أن هذه الاستثمارات تشكل لأصحابها الأجانب عائداً مزدوجاً يجمع ما بين الربح الرأسمالي والنقدي في سوق الأسهم، وبين الزيادة الرأسمالية في قيمة تلك الأصول عند تقييمها باليورو. والموضوع لا يتوقف أثره عند ذلك وإنما يمتد إلى أشياء أخرى لعل من بينها توقف المنادين بفك ارتباط أسعار صرف العملات الخليجية بالدولار ولو مؤقتاً طالما ظل التحسن مستمراً في سعر صرفه خلال الشهور القادمة. ولهذه الأسباب مجتمعة أعود للتأكيد على أهمية متابعة هذا الموضوع وإلى ضرور العودة له مجددا في مقالات أخرى قادمة كلما صدرت بيانات وأرقام جديد.