قراءة في السياسات الحكومية لدعم الاقتصاد القطري(1-3)

شهد الأسبوع الماضي عدة مناسبات اقتصادية هامة عبر فيها كبار مسؤولي الدولة وفي مقدمتهم معالي رئيس مجلس الوزراء وسعادة وزير الاقتصاد والمالية عن وجود مخططات لدى الحكومة لدعم الاقتصاد الوطني في عام 2010. ويتم الدعم الحكومي عادة من خلال سياسات وإجراءات معينة في مقدمتها الإنفاق الحكومي والسياسات الضريبية والسياسات النقدية والمصرفية. وتأتي هذه التوجهات استكمالاً لمرحلة سابقة نفذت فيها الحكومة مجموعة متنوعة من الإجراءات والسياسات التي حفظت الاستقرار المالي والنقدي في البلاد في الفترة التي انفجرت فيها الأزمة المالية العالمية. وقد كان التغيير في السياسات الضريبية بخفضها على أرباح الشركات الأجنبية إلى 10% بدلاً من 35% هو بداية التحرك الحكومي لتفعيل السياسات الاقتصادية من أجل تنشيط الاقتصاد، ونتناول في مقال اليوم موضوع التوسع في الإنفاق الحكومي في السنة المالية 2010/2011 باعتباره أحد الأدوات الهامة لتحقيق الدعم المنشود للاقتصاد القطري.

المعروف أن موازنة العام الحالي 2009/2010 قد تضمنت إنفاقاً حكومياً بواقع 94.5 مليار ريال واشتملت، على عجز تقديري بقيمة 5.8 مليار ريال انطلاقاً من أن الإيرادات المقدرة قد بلغت 88.7 مليار ريال، عند سعر 40 دولاراً لبرميل النفط. وعلى ضوء التصريحات التي صدرت عن المسؤولين، فإن من المرجح أن يرتفع الإنفاق الحكومي في السنة الجديدة 2010/2011 إلى ما بين120- 130 مليار ريال، بزيادة قد تتراوح ما بين 25- 35 مليار ريال تقريباً، ولن يكون هناك عجز يُذكر في الموازنة إذا ما تم اعتماد سعر برميل للنفط في حدود 55 دولاراً للبرميل.

هذه الزيادة الكبيرة في الإنفاق في السنة الجديدة بعد سنة شهدت انخفاضاً محدوداً في الإنفاق المخطط عن سنة 2008/2009 ( من 95.9 مليار إلى 94.5 مليار ريال)، يشير إلى عزم الحكومة القطرية على المضي قدماً في تنفيذ المشروعات المعتمدة في الموازنة، وفتح اعتمادات لمشروعات جديدة. وإذا كانت موازنة المشروعات الرئيسية قد شهدت تراجعاً في الموازنة المخططة للعام الحالي إلى مستوى 37.9 مليار ريال من 40.5 مليار في موازنة عام 2008/2009، فإن توقعاتي الشخصية أن تقفز هذه المخصصات في الموازنة الجديدة إلى ما بين 55-60 مليار ريال. وهذه التقديرات كما ذكرت لا تنبع من فراغ وإنما تستند إلى التصريحات التي صدرت عن المسؤولين والتي أكدت أيضاً على اهتمام الحكومة في موازنتها الجديدة على دعم مشروعات البُنية التحتية.

ومثل هذه المستويات المرتفعة جداً كفيلة بإنعاش شركات القطاع الخاص فيزداد نشاطها وأرباحها وتعود إلى التوسع في التوظيف، وذلك يساهم في تحسن أداء القطاعات الأخرى وخاصة قطاع البنوك، ويساعد في خلق حالة من التوازن في قطاع العقارات. وإذا كانت تصريحات معالي الشيخ حمد بن جاسم قد أشارت إلى أن معدل البطالة بين القطريين قد وصلت إلى الصفر مع نهاية عام 2009، فإن ذلك يحمل في طياته دلالات مهمة بشأن عدد السكان، فزيادة النشاط الاقتصادي على النحو المتوقع ستؤدي إلى زيادة عدد العاملين الأجانب، ومن ثم يرتفع العدد الإجمالي للسكان بعد أن شهد فترة من الركود أو الانخفاض خلال النصف الأول من عام 2009.

وقد كان مما لفت الإنتباه في تصريحات لسعادة الدكتور إبراهيم إبراهيم الأمين العام للتخطيط التنموي تأكيده على حرص الحكومة على أن لا يكون النمو الاقتصادي في العام الجديد محموماً، وذلك قد يُفسر على أنه إشارة إلى الحرص على عدم السماح للزيادة في الإنفاق الحكومي برفع معدل التضخم مجدداً على نحو ما حدث في السنوات 2004-2008، ومثل هذا الأمر يتحقق بالعمل على توازن العرض والطلب على السلع والخدمات في المجتمع. وإذا كان معدل التضخم قد تحول إلى معدل سلبي في عام 2009، فإن معنى ما أشار إليه د. إبراهيم هو أن يعود معدل التضخم إلى الصفر وقد يتجاوزه إلى ما بين 3-4% مع نهاية عام 2010، وهو معدل مقبول اقتصادياً ما دام الاقتصاد سينمو بمعدلات عالية ستزيد عن 17% وفق تصريحات سعادة نائب محافظ مصرف قطر المركزي في ندوة التنمية الاقتصادية.

وإذن فنحن أمام برنامج حكومي للإنفاق سيعمل على دعم النشاط الاقتصادي، بطريقة تُعيد له حيويته ونشاطه الذي فقد جزءً منه في عام 2009، من جراء تداعيات الأزمة المالية العالمية، وأشير في هذا المقام إلى بيانات الناتج المحلي الإجمالي الصادرة عن إدارة الإحصاء عن فترة 9 شهور من العام 2009، والتي يتضح منها أن قطاعات الصناعة التحويلية والمال والتأمين والعقارات والتجارة والمطاعم والنقل والاتصالات قد تضررت من الأزمة العالمية، وسجلت بالأسعار الجارية تراجعاً في أنشطتها هو الأول من نوعه منذ سنوات عديدة. والإجراءات والسياسات التي أعلنت عنها الحكومة كفيلة بخلق الطلب الإضافي (غير المحموم) على السلع والخدمات، ومن ثم يتراجع الفائض في المعروض تدريجياً وتزداد معدلات التشغيل، فتعود القطاعات التي سجلت تراجعاً بالأسعار الجارية في عام 2009 إلى تحقيق نمو معقول.

وسوف يشيع الإعلان عن أرقام الموازنة العامة للسنة الجديدة قُبيل نهاية شهر مارس القادم، حالة من التفاؤل في مستقبل النشاط الاقتصادي، وأداء الشركات المساهمة فيزداد الطلب على الأسهم وترتفع أسعارها، وهذا ما سنعود إليه تفصيلاً في التحليلات الخاصة ببورصة قطر.

وإذا كنت أشعر بالتفاؤل وأنا أطالع الأرقام وأضع التوقعات، فإنني أؤكد مجدداً أنها توقعات شخصية مبنية على دراسة المعطيات الاقتصادية المختلفة، ومع ذلك فهي كأي توقعات تحتمل الخطأ والصواب، وإن كنت أميل إلى ترجيح احتمال تحققها بنسبة عالية.