قراءة في توقعات صندوق النقد الدولي عن الاقتصاد القطري

عرضت بالأمس لأهم الأرقام التي وردت في توقعات تقرير صندوق النقد الدولي عن الاقتصاد القطري لعام 2010 الذي صدر في الأسبوع الماضي، في إطار ما يعرف بمشاورات المادة الرابعة مع دولة قطر. وقد عكست الأرقام بوضوح توقعات جيدة للاقتصاد القطري على كافة الأصعدة بدءاً من نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بنسبة 31.5%، و وبنسبة 18.5% بمعدلات النمو الحقيقية، وزيادة المصروفات العامة إلى نحو 123 مليار ريال، وتباطؤ نمو عرض النقد الواسع إلى 11.6%، وارتفاع معدل التضخم إلى 1% بعد انكماش بمعدل 5.5% في عام 2009. كما ستنمو الصادرات والواردات وميزان السلع والحساب الجاري وكذا الدين الحكومي والعام بنسب مختلفة.

وقد أشار التقرير إلى أن السياسة المالية في قطر دعمت النمو الاقتصادي في عام 2009، حيث زاد الإنفاق الاستثماري بما نسبته 14.7%. ومن المتوقع أن تستمر هذه التوجهات في موازنة 2010/2011 مع الاهتمام بالأولويات في مشروعات البنية التحتية بما يحول دون بروز الضغوط التضخمية. وقد قدر الصندوق ارتفاع الإنفاق الاستثماري في موازنة العام الجديد بنسبة 31.4% إلى 46.4 مليار ريال، وأن يتم التركيز على الاستثمارات في مجال الموانئ والمطارات والتعليم والصحة. وسيزداد الإنفاق العام بزيادة الناتج المحلي الإجمالي بحيث سيشكل ما نسبته 29% من الناتج ليس في عام 2010 فقط وإنما في السنوات الخمس القادمة 2010-2014. كما سيشكل الإنفاق الرأسمالي ما نسبته 11% من الناتج في نفس الفترة، مع تحقيق فائض سنوي في الموازنة العامة بمعدل 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً.

وأشار التقرير إلى أن هناك فائض في المعروض من قطاع العقارات سيستمر حتى عام 2011، وأن هذا الفائض سيعمل على إبقاء معدل التضخم منخفضاً بحيث لا يتجاوز1% في عام 2010، ولكنه قد يرتفع إلى 4% سنوياً في الفترة التالية حتى عام 2014 إذا ما تم تنفيذ المشروعات المخططة للبنية التحتية، وإذا ما حدث تراجع في سعر صرف الدولار، أو عادت أسعار السلع العالمية إلى الارتفاع.

وأثنى الصندوق على التدخل الحكومي لإنعاش القطاع المصرفي في مواجهة الأزمة المالية العالمية، حيث أدى التدخل إلى تعزيز رؤوس أموال البنوك وربحيتها. فقد ارتفع مؤشر كفاية رأس المال لدى البنوك من 16.5% قبل التدخل إلى 18.5% بعد التدخل، وهو ما زاد من قدرة البنوك على مواجهة الصدمات، ومكنها من العودة لممارسة عمليات الإقراض. وقد اتسم برنامج التدخل بالمرونة حيث أعطى للبنوك الخيار في إعادة شراء ما تملكته الحكومة من حصص خلال 5 سنوات بنفس سعر الشراء، وكذا خيار استرداد المحافظ العقارية بعد 3 سنوات بنفس سعر البيع للحكومة. وبالنتيجة فإن المخاطر التي خلفتها الأزمة على القطاع المصرفي باتت تحت السيطرة، وأن كافة القروض أصبحت مكفولة بالضمانات المناسبة. وذكر التقرير أن المصرف المركزي قد أعطى تعليماته للبنوك للحد من قدرتها على شراء الأسهم والعقارات وأن الصندوق أيد هذا الإجراء.

وفيما يتعلق بانكشاف البنوك القطرية على أزمة دبي أشار التقرير إلى أن ذلك كان محدوداً وغير مؤثر وتمثل في الآتي:

• 15 مليون دولار لمصرف قطر الإسلامي تمثل 0.7% من رأسمال البنك في صكوك أصدرتها دبي العالمية.

• امتلاك بنك قطر الوطني ما نسبته 23.8% من أسهم البنك التجاري الدولي بالإمارات، وهي حصة تعادل 300 مليون دولار، (وهذا انكشاف على بنوك الإمارات وليس على شركة دبي العالمية).

• امتلاك البنك التجاري لنسبة 40% أو نحو 200 مليون دولار في أسهم البنك العربي المتحد في الإمارات، دون أن يكون له انكشاف على شركة دبي العالمية.

• أن بنك الدوحة له فرع في دبي.

وذكر التقرير أن نسبة القروض غير العاملة إلى إجمالي القروض قد بلغت 2% مع نهاية سبتمبر 2009، وهي الأدنى بين مثيلاتها في دول مجلس التعاون الخليجي. وأضاف أن تحقيق هذا الإنجاز يعود إلى الدعم الحكومي للبنوك من ناحية وإلى حصافة تعليمات المصرف المركزي من ناحية أخرى.

وفيما يخص السياسة النقدية أشار التقرير إلى أن المركزي أبقى على معدلات الفائدة عالية عند مستوى2% لسعرفائدة الإيداع بموجب آلية السوق النقدي و 5.5% لسعر فائدة الاقتراض، وذلك لإضعاف الضغوط التضخمية (وهو ما حدث بانكسار معدل التضخم الذي بلغ 16.6% في الربع الثاني من العام 2008 وتحوله إلى انكماش بنسبة 5.5% مع نهاية ديسمب 2009)، ولحماية البنوك من الوقوع في مصيدة القروض الرديئة. وقد حذر الصندوق من أن استمرار معدل فائدة الودائع مرتفعاً مقارنة بمثيله على الدولار قد يؤدي إلى حدوث تدفقات مالية كبيرة إلى الريال في ظل ربط سعرصرف الريال بالدولار عند مستوى 3.64 ريال للدولار.

وقد أكد المركزي أنه يراقب هذه التطورات عن كثب، وأنه مستعد لإتخاذ الإجراءات المناسبة في مواجهتها -كخفض سعر فائدة الإيداع لدى المركزي- وأنه اتخذ بعض الإجراءات الاحترازية الكلية بالفعل(من قبيل الإبقاء على نسبة الاحتياطي الإلزامي مرتفعة عند مستوى 4.75%).

وأشار التقرير إلى أن المركزي قد بدأ مراجعة شاملة لتعليماته الاحترازية ولأدوات سياسته النقدية، وأن الحكومة ملتزمة بالحفاظ على الاستقرار المالي عن طريق اتخاذ المزيد من التدخلات في الجهاز المصرفي إن لزم الأمر. وقد نبه الصندوق إلى أهمية ألا تؤدي زيادة التدخلات الحكومية إلى تلاشي الحافز لدى إدارات البنوك كي تعمل على تحسين إدارة المخاطر على النحو المطلوب.

وعن الدين العام أشار التقرير إلى أن إنجاز مشروعات الغاز والصناعات البتروكيماوية والتنموية بوجه عام قد استلزم اتخاذ قرار بزيادة الدين العام في عام 2009/2010 بنحو 25 مليار دولار. وقد حصلت الحكومة في عام 2009 على نحو 10 مليار دولار من خلال إصدار سندات، كما حصلت شركات رأس غاز، الخطوط الجوية القطرية، قطر للبترول/إكسون موبيل، كيوتيل، الديار القطرية، البنك التجاري القطري على ما مجموعه 12 مليار دولار في صورة قروض أو بإصدار سندات. وأشار التقرير إلى أن هناك لجنة وزارية لمراقبة وإجازة الاقتراض الخارجي للحكومة والقطاع العام، وأنها وضعت سقفاً للتوسع في هذه القروض بحيث لا تزيد قروض الحكومة عن 30% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن لا تزيد قروض الحكومة والقطاع العام معاً عما نسبته 45% من الناتج. وقد طالب الصندوق بإنشاء وحدة حكومية لمراقبة وإدارة الدين العام الخارجي. الجدير بالذكر أن الدين الحكومي قد بلغ 50 مليار ريال وبنسبة 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009، في حين أن إجمالي الدين العام قد بلغ 185.1 مليار ريال وبنسبة 61.4% من الناتج في نفس السنة.

ومن الأمور الأخرى التي أشار إليها التقرير التزام الحكومة بإنشاء جهاز رقابي مالي موحد، واستمرار ربط سعر صرف الريال بالدولار لحين قيام عملة نقدية موحدة. ولم يتضمن التقرير أي بيانات عن استثمارات قطر الدولية، وطالب ببناء القدرات من أجل العمل على توفير تلك البيانات.

ولمن فاته الإطلاع على الجزء الأول من التقرير عن توقعات الصندوق للاقتصاد القطري في عام 2010 ، نعيد فيما يلي نشر ذلك الجزء على النحو التالي:

1- أن الناتج المحلي الإجمالي سينمو في عام 2010 بالأسعار الجارية بمعدل 31.5% بعد سنة استثنائية تراجع فيها الناتج في عام 2009 بمعدل 17.5%، بحيث سيرتفع الناتج إلى 396.6 مليار ريال مقارنة بـ 301.6 مليار في عام 2009 و 365.5 مليار في عام 2008. وإذا ما حُسبت الأرقام بالأسعار الثابتة فإن معدل النمو الحقيقي للناتج في عام 2010 سيكون في حدود 18.5% مقارنة بـ 9% في عام 2009 و 15.8% في عام 2008، وسيكون معدل النمو الحقيقي المتحقق هذا العام هو الأعلى في تاريخ الاقتصاد القطري ومن بين أعلى معدلات اللنمو في العالم.

2- أن جزء كبير من الزيادة في الناتج في عام 2010 ستنتج من زيادة معدل انتاج النفط الخام إلى 824 ألف برميل يومياُ مع ارتفاع سعر برميل النفط إلى 75.3 دولار للبرميل (مقارنة بنحو 61 دولار في متوسط 2009)، وزيادة كميات الغاز المسال إلى 58.1 مليون طن في متوسط العام.

3- أن الإيرادات العامة للدولة في عام 2010 عند سعر 75.3 دولار للبرميل تقدر بما نسبته 39.7% من الناتج المحلي الإجمالي أو ما يعادل 157.4 مليار ريال مقارنة بـ 139 مليار ريال في عام 2009. (ملاحظة : إذا تم احتساب سعر برميل النفط عند مستوى 55 دولاراً للبرميل على سبيل الاحتراز في موازنة 2010/2011، فإن الإيرادات المقدرة ستصل إلى 135 مليار ريال)

4- أن المصروفات العامة للدولة للعام 2010 تقدر بما نسبته 31% من الناتج المحلي الإجمالي أو ما يعادل 123 مليار ريال، وذلك يترك فائضاً في الموازنة العامة بنحو 12 مليار ريال ( عند سعر موازنة للنفط في حدود 55 دولار للبرميل)، في حين يرتفع الفائض عند سعر 75.3 دولار للبرميل إلى نحو35 مليار ريال.

5- أن المصروفات الجارية ستشهد زيادة محدودة من نحو68.2 مليار ريال إلى 71 مليار في عام 2010 ( أو بنسبة 4.1%) في حين أن المصروفات الرأسمالية (مع صافي الإقراض) سترتفع في عام 2010 إلى 46.4 مليار ريال من 35.3 مليار ريال، (أو بنسبة 31.4%).

(ملاحظة: الجدول رقم 6 في تقرير الصندوق يعطي بيانات عن الإيرادات والمصروفات تخالف قليلاً ما يمكن الحصول عليه من الجدول رقم 1، حيث إجمالي الإيرادات 165.3 مليار ريال وإجمالي المصروفات 128.6 مليار ريال، والفائض 36.8 مليار ريال. وقد تم الاعتماد في هذا المقال على البيانات المشتقة من الجدول رقم1).

6- أن إجمالي الدين العام الحكومي سيرتفع في عام 2010 إلى 57.2 مليار ريال أو بنسبة 14.4% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 50 مليار ريال وبنسبة 16.6% في عام 2009، وبـ 22.3 مليار وبنسبة 6.1% عام 2008. الجدير بالذكر أن إجمالي الدين العام بما في ذلك ديون شركات القطاع العام وبدون التزامات البنوك ستقفز في عام 2010 إلى 245.4 مليار ريال وبنسبة 61.9% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 185.1 مليار وبنسبة 61.4% في عام 2009، ونحو 129 مليار وبنسبة 35.3% في عام 2008.

7- أن عرض النقد الواسع سينمو بمعدل سنوي 11.6% مقارنة بمعدلات 16.4%، 19.7%، 39.5% للسنوات 2009، 2008، 2007. وسيعود صافي الأصول الأجنبية إلى النمو بمعدل 51.4% بعد تراجع بنسبة 8.3% في عام 2009 و 20.5% في عام 2008، ونمو بنسبة 0.3% في عام 2007، وبنسبة 28.1% في عام 2006. وستنمو التسهيلات الائتمانية الإجمالية في عام 2010 بنسبة 14.7% بعد تراجع بنسبة 0.5% في عام 2009، ونمو بنسب 48.7% و 66.1% و 45.7% و 60% في السنوات 2008 و 2007 و2006 و2005 على التوالي. وسيأتي معظم النمو في العام 2010 من التسهيلات المقدمة للقطاع العام (31.5%) وبدرجة أقل من القطاع الخاص (11.6%).

8- أن إجمالي الصادرات سوف يقفزإلى 67.1 مليار دولار أو نحو 244.4 مليار ريال منها 91.7 مليار نفط ومشتقاته، و 129.2 مليار غاز، و23.5 مليار صادرات أخرى. وستقفز الواردات إلى 115.4 مليار ريال بما يؤدي إلى حدوث فائض تجاري مقداره 129 مليار ريال و 90 مليار ريال لفائض الحساب الجاري بعد حسم التحويلات المالية وصافي الدخل.