كيف سيكون أداء القطاع الخاص في عام 2010؟

عرضت في الأسبوع الماضي في مقال موسع لما تضمنه تقرير -صدر مؤخراً- عن صندوق النقد الدولي، من معلومات مهمة عن وضع الاقتصاد القطري في عام 2009، مع توقعات الصندوق بالأرقام لما سيكون عليه حال الاقتصاد في عام 2010. الجدير بالذكر أن هذا التقرير يصدر سنوياً عن الصندوق بعد مشاورات مع السلطات القطرية بموجب المادة الرابعة من ميثاق الصندوق، ويصدر مثله عن بقية دول العالم، في إطار اهتمام الصندوق بالوقوف على وضع الاقتصاد العالمي ومراقبة حركة نموه أو تراجعه سنة بعد أخرى، واحتمالات وقوعه في مشاكل مالية كتلك التي حدثت في عامي 2008/2009. وفي الحقيقة أنه نظراً لدقة وشمولية البيانات والمعلومات الواردة في التقرير عن الاقتصاد القطري؛ لكونها صادرة عن الجهات المسؤولة في قطر، ومصدقة ومعتمدة من صندوق النقد الدولي، فإنها تستحق مقال آخر للبحث في مدلولاتها، وما قد تحمله من تأثيرات على مستقبل النشاط الاقتصادي في قطر في العام 2010.

وأول ما أتناوله في هذا المقال تقديرات الصندوق للناتج المحلي الإجمالي -الذي هو مقياس لقيمة ما تنتجه جميع وحدات الاقتصاد في سنة ما بالريال القطري- حيث ذكر الصندوق أنه يتوقع أن ينمو الناتج من نحو 301.6 مليار ريال عام 2009 إلى 396.6 مليار ريال في عام 2010 أي بمعدل نمو بنسبة 31.5% بالمائة، بعد تراجعٍ بمعدل 17.5% في عام 2009. هذا النمو في الناتج سيتأتى معظمه من قطاع الصناعة الهيدروكربونية وخاصة من صناعة الغاز بالدرجة الأولى ومن النفط بدرجة أقل، بحيث سينمو القطاع بما نسبته 51.5% في عام 2010، بعد تراجع بنسبة 33% في عام 2009.

وفي المقابل فإن القطاع غير الهيدركربوني -الذي يحتل القطاع الخاص جزءاً كبيراً منه – سينمو بمعدل 11.6% فقط في عام 2010، بحيث يكون متوسط معدل النمو لكل الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية في حدود 31.5%. وبالمعدلات الحقيقية للنمو سينمو قطاع الصناعة الهيدروكربونية بنسبة 25.5%، في حين ستنمو القطاعات الأخرى بمعدل 11.5%. ويهمنا في هذا المقال أداء القطاعات غير الهيدروكرونية التي نلاحظ فيها ما يلي:

• اقتراب معدل النمو للقطاع غير الهيدروكربوني بالأسعار الجارية مع نظيره معدل النمو بالأسعار الثابتة (أي النمو الحقيقي) عند مستوى 11.6% و 11.5% على التوالي بما يعني أن معدل التضخم سيكون في حدود 1% بعد انكماش بنسبة 4.9% في عام 2009.

• أن معدل النمو بالأسعار الجارية للقطاعات غير الهيدروكربونية سيكون في عام 2010 أفضل منه في عام 2009 الذي بلغ 5 % فقط.

• أن التسهيلات الائتمانية للقطاع الخاص وعرض النقد (الذي هو مجموع النقد المتداول لدى الجمهور والحسابات الجارية لدى البنوك وودائع القطاع الخاص الآجلة بالريال وبالعملات الأجنبية)، سينمو كلاهما بمعدل 11.6%، أي بنفس معدل نمو ناتج القطاعات غير الهيدروكربونية.

• أن الواردات ستنمو هي الأخرى بمعدل 11.8% إلى مستوى 115.4 مليار ريال في عام 2010 مقارنة بـ 129 مليار ريال في عام 2009.

• أن النمو في القطاعات غير الهيدروكربونية –وخاصة ما يخص القطاع الخاص- سيتأتى في معظمه من زيادة الإنفاق الاستثماري للحكومة بما نسبته 47.8% إلى مستوى 46.4 مليار ريال في عام 2010/2011. (ملاحظة :كنت في مقال سابق قد توقعت أن يرتفع الإنفاق الرأسمالي إلى 57 مليار ريال استناداً إلى الموازنة التقديرية للعام الحالي البالغة 37.9 مليار ريال، في حين أن أشار تقرير الصندوق إلى أن الإنفاق الرأسمالي الفعلي للعام الحالي قد لا يزيد عن 31.4 مليار ريال، ولذا فأنا أخفض تقديري السابق إلى ما ذكره الصندوق).

والملاحظ أنه رغم ارتفاع نسبة النمو في الإنفاق الرأسمالي في العام 2010/2011، فإنها لن تولد إلا زيادة محدودة نسبياً في نمو القطاعات غير الهيدروكربونية (11.6%) وذلك بسبب الضوابط التي ستضعها الحكومة للحيلولة دون عودة التضخم إلى الارتفاع مجدداً كما في الأعوام السابقة وخاصة الفترة من 2004-2008. وهذه الضوابط قد تكون نقدية أو مالية أو اقتصادية بوجه عام. وأذكر من ذلك الإبقاء على السياسة المتحفظة التي منعت البنوك من العودة لتمويل أنشطة المضاربة في العقارات والأسهم، وهو الإجراء الذي أشاد به صندوق النقد الدولي في تقريره، والحرص على مراقبة أسعار السلع الاستهلاكية والوسيطة، وإبقاء تكلفة الاقتراض مرتفعة نسبياً، ومراقبة تدفقات النقد الأجنبي من الخارج لاتخاذ ما يلزم من إجراءات في مواجهتها إذا ما زادت عن حدها، وقيام المصرف المركزي بمراجعة شاملة لتعليماته الاحترازية بما يتناغم مع مستجدات الوضع الاقتصادي، وبما يحافظ على حيوية البنوك في مجال سياسة الحد من المخاطر، ومراقبة تطور الاقتراض الخارجي بعناية وخاصة حجم الدين العام (للقطاعين الحكومي والعام) بعد أن ارتفغت نسبته في عام 2010 إلى أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي.

وبالنتيجة الكلية فإن الاقتصاد القطري في عام 2010 سيكون في وضع أفضل مما كان عليه في عام 2009، فقطاع المال(البنوك والتأمين) سيحقق نتائج أعلى، كما سيكون أداء قطاعات التجارة والصناعة والنقل والاتصالات والكهرباء والماء، أفضل. وفي المقابل قد لا يكون أداء قطاع العقارات في وضع أفضل ولكن تراجعه بسبب انخفاض الأسعار قد يقترب من نهايته.

وتظل أخيراً نقطة مهمة تستحق الانتباه وهي أن صافي الموجودات الأجنبية في قطر سيقفز في عام 2010 بنسبة 51.4% بعد أن تراجع في عامي 2009 و 2010 بنسبة 8.3% و 20.5% على التوالي وبعد أن نما بنسبة 0.3% فقط في عام 2007، فأين ستصب الزيادة الكبيرة المنتظرة في صافي تلك الموجودات الأجنبية؟