في بيان اختلاف معدل التضخم عن مخفض الناتج في قطر

ليس صحيحاً أن الفرق بين معدل النمو الإسمي للناتج المحلي الإجمالي وبين نظيره معدل النمو الحقيقي في أي سنة يساوي بالضرورة معدل التضخم في تلك السنة، وهذا ما تؤكده على الأقل الأرقام الرسمية المنشورة في قطر في السنوات الست السابقة. فالمعروف أن للتضخم عدة مقاييس يرصد كل منها التغير في الأسعار بطريقة مختلفة نذكر منها الرقم القياسي لأسعار المستهلكين، والرقم القياسي لأسعار المنتجين، والرقم القياسي لأسعار الجملة، ومخفض الناتج المحلي الإجمالي. والأول فقط هو المقياس المستخدم في قطر منذ أربعة عقود، في حين أن المقاييس الثلاثة الأخرى يكثر استخدامها في الدول الصناعية التي تنتج في بلدانها أغلب السلع المستهلكة فيها، ولا تصلح بالتالي للاستخدام في قطر التي يغلب على منتجاتها أنها مخصصة للتصدير، في حين أن معظم ما يتم استهلاكه فيها من السلع المستوردة من الخارج.

والرقم القياسي لأسعار المستهلك هو مقياس للتغير في أسعار سلة مختارة من السلع والخدمات مع الترجيح بأوزان نسبية لأهمية كل سلعة أو خدمة في متوسط إنفاق الأسرة-كما حددها بحث سابق عن إنفاق الإسرة في سنة الأساس-. ويشكل بند الإيجارات نحو 32.2% من انفاق الأسرة في قطر في المتوسط، ولذلك فإن التغيرات التي تطرأ على الإيجارات سواء بالزيادة أو بالنقص تؤثر بشكل قوي على معدل التضخم، ولذا ارتفع معدل التضخم بقوة إلى 16.6% في منتصف عام 2008، ثم انخفض إلى سالب 4.9% في عام 2009، كنتيجة للتغيرات الحادة في بند الإيجارات بالدرجة الأولى. كما يشكل الإنفاق على بند النقل والاتصالات ما نسبته 20.4%، وعلى الأطعمة والمشروبات ما نسبته 13.5%، وتشكل المجموعات الثلاث معاً نحو ثلثي سلة الإنفاق، بما يعني أي تغييرات على أسعار هذه السلع والخدمات تؤدي إلى تغير ملموس في معدل التضخم.

وتتوقف أسعار السلع المستهلكة والخدمات على مستوى الطلب المحلي عليها في مواجهة الكميات المعروضة منها، ومن ثم فإنه عند حدوث اختناقات في موازين العرض والطلب على تلك الخدمات-كما حدث في السنوات 2003/2008-فإن الأسعار ترتفع بقوة رغم ما تبذله الجهات المسؤولة في العادة من إجراءات للحد من ارتفاعها. أما إذا حدث العكس وأصبح هناك فائض في المعروض مع تراجع الطلب، فإن الأسعار تبدأ دورة إنكماشية كما حدث في عام 2009.

أما مخفض الناتج المحلي الإجمالي الذي يقيس الفرق بين معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، ونظيره بالأسعار الثابتة، فهو مقياس لمدى التغير في أسعار كافة السلع والخدمات المنتجة محلياً، ولأن إنتاج النفط والغاز- اللذان تتذبذب أسعارهما بشدة- يشكل أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي القطري، ولأن جزء بسيط من هذا الناتج يستهلك محلياً بأسعار ثابتة، لذا فإن التغيرات في أسعار النفط والغاز يظهر أثرها على مخفض الناتج المحلي الإجمالي، ولا يظهر في معدل التضخم المحسوب بالرقم القياسي لأسعار المستهلك.

ولو كانت قيمة حصيلة صادرات النفط والغاز تُنفق كلها محلياً، فإن التغيرات في تلك الحصيلة يمكن أن تؤثر سلباً أو إيجاباً على الكتلة النقدية داخل قطر، ومن ثم يكون لها تأثير غير مباشر عن طريق إحداث زيادة في الطلب على السلع والخدمات، ولكن ما يحدث فعلياً أن جزء مهم من تلك الحصيلة إما يذهب للشركاء الأجانب أو للعمالة الوافدة التي تحوله بدورها للخارج، أو يُستبقى لاستثماره خارج قطر. وهذه العوامل الثلاثة تساعد في منع حدوث ضغوط تضخمية من جراء ارتفاع أسعار النفط والغاز. وإذن فالمعيار في ارتفاع أسعار النفط والغاز هنا هو مدى ما تشتمل عليه الموازنة العامة للدولة من توسع في الإنفاق، وليس ما ينتج عن ارتفاعها في قيمة الإيرادات.

ولقد دفعني للكتابة في هذا الموضوع أن أحد القراء اعترض على تقديرات صندوق النقد الدولي لمعدل النمو في قطر في عام 2010 التي نشرتها في مقالات سابقة، باعتبار أن توقعات الصندوق لمعدل النمو الإسمي هو 31.5%، وبالأسعار الحقيقية 18.5%، مما يضع معدل التضخم المنتظر-في رأيه- عند مستوى 13%، وليس 1% كما توقع تقرير الصندوق. ولقد شرحت للقارئ الفرق بين معدل التضخم كما يقيسه الرقم القياسي لأسعار المستهلك والمعدل الناتج من حساب مخفض الناتج المحلي الإجمالي كما هو مشار إليه أعلاه. ولكي تكون الإجابة وافية، أعرض فيما يلي لرسم بياني يبين الفرق بين أرقام معدل التضخم والمخفض في قطر للسنوات منذ عام 2005، ويتضح منها أن المقياسين اختلفا في تقديراتهما للتضخم، وأنهما تقاربا في سنة واحدة فقط هي عام 2007.

وكما أشرت في مقال الأسبوع السابق، فإنه لو استبعدنا القطاع غير النفطي والغازي من الناتج، فإننا سنجد أن القطاعات غير الهيدروكربونية سوف تنمو في عام 2010 –حسب تقديرات الصندوق-بمعدل 11.6% بالأسعار الجارية و 11.5% بالأسعار الجارية ، وذلك يجعل معدل التضخم المتوقع أقل من الواحد الصحيح الذي توقعه الصندوق معدلاً للتضخم في قطر في عام 2010.