نحو مزيد من الاهتمام بمراكز الإبتكار الصناعي بدول المجلس

خلال عقد من الزمان، تطورت الصناعة الخليجية بشكل واضح وباتت تشكل أحد مصادر الدخل الهامة، ومجالاً لتوظيف الآلاف من الأيدي العاملة الوطنية. ولأن الصناعة تحتاج إلى كوادر فنية مؤهلة ومدربة، فقد تطلب استيعاب تلك الأيدي إعادة رسم وتشكيل السياسات التعليمية بما يضمن موائمة بعض مخرجات النظام التعليمي لاحتياجات القطاع الصناعي. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه في السنوات الأخيرة إلى الاهتمام بإحداث قفزة نوعية في برامج التعليم ونوعيته بما يساعد على خلق جيل من العلماء القادرين على التميز والإبداع. وكان مبرر ذلك أن التوسع في الصناعة بحاجة إلى عناصر أخرى مهمة لضمان قدرة المنتجات الخليجية على المنافسة الدولية، في ظل الانفتاح المتزايد على الاقتصاد العالمي. وكان الإبداع والإبتكار في مقدمة تلك العناصر من أجل إعطاء الصناعة الخليجية في المستقبل القدرة على التحرر من الاعتماد على تقنيات الآخرين في تطوير المنتجات، أو في الحصول على منتجات جديدة. ومن هنا كان طبيعياً أن تولي الاستراتيجيات الحديثة للصناعة-كما في الاستراتيجية السعودية- اهتماماً خاصاً بالإبداع والابتكار وأن تجعله في مقدمة أولوياتها ومن بين محاورها الرئيسية لخلق صناعة متطورة وقادرة على المنافسة.

ورغم التطور والتقدم الذي أحرزته بعض دول المجلس وخاصة الإمارات والسعودية وقطر على مقياس الإبتكار في مؤشر التنافسية الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2009/2010، إلا أن بقية دول المجلس لا زالت بعيدة عن المستوى المأمول. فقد حصلت الأمارات على الترتيب 27 بين 134 دولة في العالم، و السعودية على المركز 32، وقطر المركز 36 ، فيما حصلت عمان على الترتيب 55 والبحرين على المركز 60 ثم الكويت في المركز 83.

والملاحظ أن ترتيب بعض الدول على المؤشرات الفرعية لمؤشر الابتكار كان متأخراً جداً وبما لا يتفق مع إمكاناتها المادية الكبيرة؛ فمن حيث إنفاق الشركات على الأبحاث والتطوير جاءت الكويت في المركز المائة والبحرين في المركز 87 وقطر في المركز 64 وعمان في المركز 62. ومن حيث نوعية المعاهد العلمية جاءت البحرين في المركز 112 و الكويت في المركز 83 وعمان في المركز 63 والإمارات في المركز53. ومن حيث طاقات الإبتكار جاءت قطر في المركز 109 وعمان في المركز 87 والكويت في المركز 85 والبحرين في المركز 58. ومن حيث التعاون بين الشركات والجامعات، جاءت البحرين في المركز 101 والكويت في المركز 99 وعمان في المركز 53.

ومن هنا نستنتج أن على دول المجلس تطوير قدراتها في هذه المجالات كي تزيد من قدراتها على الإبتكار وخاصة في المجالات الصناعية، ومن ثم فإن على وزارات الصناعة بدول المجلس إعطاء هذا الموضوع اهتماماً أكبر عند وضع استراتيجياتها الصناعية وعليها على وجه الخصوص ما يلي:

• استحداث مراكز بحثية تضم كوكبة منتقاة من العلماء والباحثين القادرين على الإسهام بفعالية في تطوير المنتجات الصناعية، وإيجاد حلول للمشكلات التي تواجهها الشركات الصناعية في المنطقة، إضافة إلى إيجاد منتجات جديدة. ولإن الصناعات البتروكيماوية الأولية والوسيطة تشكل نسبة هامة في مجمل الإنتاج الصناعي الخليجي، ولأن هذا النوع من الصناعات يتسم بتنوع وتعدد المنتجات النهائية له، لذا فإن التركيز على هذا النوع من الصناعات له ما يبرره.

• أن يتم عقد نوع من التحالفات أو اتفاقيات التعاون المشتركة بين هذه المراكز بعضها ببعض من ناحية وبين الطاقات البحثية المتاحة في جامعات دول مجلس التعاون لتحقيق الأهداف المتوخاة. كما يمكن لهذه المراكز الاستفادة من الخبرات المتاحة لدى المنظمات الدولية المتخصصة كاليونيدو. ولأن اليونيدو لديها بالفعل برنامج مقترح لتطوير الصناعة الخليجية في ثلاث سنوات، ويشتمل على محور للتطوير والإبداع، فإن على دول المجلس أن تبادر إلى تفعيل البرنامج المذكور، بدون إبطاء.

• أن تهتم وزارات الصناعة بدول المجلس بإصدار مجلات علمية لخدمة الصناعة يشرف عليه العلماء العاملون في المراكز المستحدثة للإبداع والإبتكار، وأن يتم استدراج مشاركات من علماء من خارج المنظمة، وخاصة العلماء العرب في الجامعات الأجنبية، ويتم اعتماد مكافآت للأبحاث القيمة. ومثل هذه الأبحاث سوف تعمل على تعزيز إمكانات مراكز الإبداع والابتكار وتساهم في تعميق المناخ العلمي السائد فيها.

• أن تتم الاستفادة من مؤتمرات الصناعيين التي تعقدها المنظمة كل عامين في استدراج أبحاث وأوراق عمل تتضمن مخترعات جديدة أو حلول لمشكلات صناعية. ومثل هذا التوجه يجعل المؤتمر حدثاً هاماً يسعى إليه الصناعيون من أجل اغتنام الفرص التي يمكن اقتناصها من خلال المؤتمرات. وبقدر ما تكون المكافآت سخية بقدر ما تنجح المنظمة في استقطاب أبحاث جيدة. بشرط أن يتم الإعلان عن الموضوع في وقت مبكر جداً حتى يجد أصحابها الوقت الكافي لتطوير ما لديهم من أفكار ومقترحات.

إن تنفيذ المقترحات المشار إليها يستدعي التحرك بشكل عاجل لإنشاء المراكز المذكورة، لإحداث نقلة نوعية في مستوى الإبداع والإبتكار الصناعي بدول المجلس حتى لو اقتضى الأمر إنفاق مبالغ مالية كبيرة، وحتى لو لم تكن النتائج بقدر المتوقع منها في البداية، باعتبار أن ذلك من ضرورات تجسير الهوة الشاسعة التي تفصل دول المجلس عن الدول التي حققت نجاحاً ملحوظاً في هذه المجال.