مركز البيرق للدراسات

تأكد الآن أن الناتج المحلي الإجمالي للقطاعات الأخرى بدون النفط والغاز -والتي يشكل القطاع الخاص الجزء الأهم منها- كان في حالة انكماش في الربع الأول من العام 2010 بنسبة 3.6% عما كان عليه الحال في نفس الفترة من العام 2009. وقد حدث الانكماش كمحصلة لتراجع أنشطة قطاع التشييد والبناء بنسبة 21.6%، ونشاط قطاع الخدمات الحكومية بنسبة 16.1% ثم نشاط الخدمات الاجتماعية بنسبة 11.8%، ثم نشاط قطاع خدمات المال والتأمين والعقارات بنسبة 1.3%، في الوقت الذي ارتفعت فيه نواتج قطاعات أخرى حيث زاد ناتج قطاع الصناعة التحويلية بنسبة 15.5%، والنقل والمواصلات بنسبة 14.7%، وقطاع التجارة والمطاعم والفنادق بنسبة 6.4%، ثم الكهرباء والماء بنسبة 1.4%. وبالطبع سجل قطاع النفط والغاز زيادة بنسبة 63.1% نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز، وبسبب زيادة الكميات المنتجة من الغاز والغاز المسال. وبالمحصلة فإن الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول من العام 2010 قد ارتفع بنسبة 22.7% مقارنة بمثيله من العام الماضي، وهي نسبة عالية تتوافق إلى حد كبير مع توقعات صندوق النقد الدولي الذي قدر معدل النمو في عام 2010 ككل بنسبة 31.5%.
ولكن توقعات الصندوق لنمو ناتج القطاعات غير الهيدروكربونية قد جانبها الصواب حيث توقع الصندوق أن ينمو بنسبة 11.6% في عام 2010 ككل، وجاءت أرقام جهاز الإحصاء التي صدرت مؤخراً لتبين استحالة تحقق مثل هذه النسبة، وأن نشاط هذه القطاعات كان في حالة تراجع في الربع الأول بنسبة 3.6% كما هو مشار إليه أعلاه. وهذا الانكماش في نواتج القطاعات غير النفطية والغازية لم يكن مفاجئاً حيث أن كل الشواهد كانت تؤكد حدوثه ومن ذلك:
1- أن معدل التضخم كان لا يزال سالباً حتى نهاية شهر مايو بمعدل 3.5%، وذلك لا ينسجم مع كون الاقتصاد في حالة نمو.
2- أن الائتمان المصرفي الممنوح للقطاع الخاص قد تقلص في الفترة من بداية العام وحتى نهاية مايو الماضي إلى 0.2% ليصل إلى 178.3 مليار ريال مقارنة بـ 178 مليار ريال في ديسمبر 2009.
3- أن أرباح القطاع المصرفي في النصف الأول من العام 2010 لن تكون أفضل من مثيلاتها في العام الماضي، باعتبار أن الزيادة المعُلنة في أرباح الوطني، سيقابلها تراجع في أرباح بنوك أخرى كالمصرف الإسلامي الذي تبين أن أرباحه في النصف الأول من العام الحالي قد انخفضت بنسبة 26%.
4-أن نتائج شركة قطر للتأمين -وهي أكبر شركة تأمين في قطر- التي صدرت يوم الخميس الماضي قد أظهرت أن دخل الشركة من أنشطة التأمين المعتادة،كانت تزيد هامشياُ عما حققته في عام 2009، وذلك يعني أن النشاط المؤمن عليه لم تطرأ عليه زيادة تُذكر، رغم أن أنشطة القطاع العام التي تؤمن عليها الشركة قد زادت.
5- أن نتائج شركة المتحدة للتنمية التي صدرت يوم الخميس الماضي عن فترة النصف الأول من العام قد أظهرت أن إجمالي إيراداتها من النشاط الأساسي قد انخفضت بنسبة 42% عما كانت عليه قبل عام وأن تكلفة إيرادات النشاط قد انخفضت هي الأخرى بنسبة 61.9% في نفس الفترة. ورغم زيادة الأرباح المتحققة بنحو 15 مليون ريال عن الفترة المناظرة نتيجة الإيرادات الأخرى، إلا أن ما يهم في هذا الاستخلاص هو تراجع النشاط الأساسي للشركة.
6- أن المؤشر العام للبورصة كان لا يزال في منتصف يوليو عند مستواه الذي كان عليه عند بداية العام بدون زيادة تُذكر، مع العلم بأنه هو نفس المستوى الذي كان عليه المؤشر في بداية عام 2009. كما أن إجمالي التداول اليومي في البورصة قد تقلص منذ شهر مايو إلى الحد الذي وصل فيه إلى 57 مليون ريال يوم الأربعاء الماضي وهو أدنى مستوى له منذ 6 سنوات.

وبالمحصلة فإن من المتوقع على ضوء النقاط المشار إليها أعلاه أن يسجل إجمالي نواتج القطاعات غير النفطية والغازية تراجعاً جديداً في الربع الثاني من العام، وربما في عام 2010 ككل، وذلك في الوقت الذي يسجل فيه قطاع النفط والغاز زيادة استثنائية جديدة نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز من ناحية وبسبب الزيادات المتحققة والمتوقعة في الطاقات الإنتاجية لمشروعات الغاز المسال، ومشروعات تحويل الغاز إلى وقود سائل. وانطلاقاً من ذلك سيظل الناتج الكلي للاقتصاد القطري في حالة نمو بمعدلات قياسية، في وقت ينكمش فيه ناتج القطاع الخاص، ويظل معدل

التضخم سالباً، وشاهداً على حالة فريدة من نوعها في أدبيات الاقتصاد الكلي.