كيف ستواجه الحكومة تداعيات الوباء إذا ما طال انتشاره؟
بعد أربعين يوماً من الإعلان عن تفشي وباء كورونا في قطر، ورغم كل الخطوات الجادة التي تم اتخاذها في إطار سياسات التباعد الاجتماعي، وما تم اتخاذه من قرارات مالية واقتصادية للتخفيف من الاثار السلبية على الناس، فإن المرض لا يزال ينتشر وبأرقام متزايدة يوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد أسبوع، حتى وصلنا إلى مستوى 761 إصابة يوم الخميس الماضي، وليصل العدد الإجمالي للمصابين في قطر إلى 8525 إصابة، ووفاة 10 منهم. والأرقام تبدو مماثلة أو أكثر في الدول المجاورة. وفي حين لم يصل العالم بعد إلى تأكيد إنتاج دواء ناجع للوباء، أو لإنتاج مصل واقي منه، فإن ما حققناه حتى الآن في قطر وغيرها من الدول هو في فرملة سرعة انتشار المرض، والحد من تحوله إلى كارثة كبيرة بأرقام مخيفة تعجز عن استقبالها المستشفيات ومراكز الإيواء والحجر الصحي.
ولا زالت الآثار الاقتصادية الناتجة عن انتشار المرض محلياً وعالمياً تتصاعد على كل المستويات، حتى بات الشغل الشاغل للقطاع الخاص المتضرر من سياسة التباعد الاجتماعي في قطر هو في البحث عن أقصر السبل للحصول على التعويضات والمساعدات التي قررتها الدولة للمتضررين. وقد وجد البعض منهم أن تلك التعويضات قد لا تشمل الأنشطة التي يمارسونها، في حين رأى البعض الآخر أن تلك التعويضات والمساعدات تشكل حلولاً لنقص السيولة التي يواجهونها، ولكنها لا تشكل حلاً جذرياً إذا طال أمد انتشار الوباء – لا سمح الله – إلى شهور ولم يقتصر على أسابيع قليلة فقط.
وكعادته، كان حضرة صاحب السمو الأمير المفدى عند الظن به عندما تطرق في خطابه يوم الخميس الماضي بمناسبة حلول الشهر المبارك إلى هذا الموضوع حيث قال: “علينا أن نتعاون جميعاً لكي نواجه تبعات الوباء الاقتصادية المتمثلة بانخفاض أسعار النفط، والركود المحتمل في الاقتصاد العالمي”. وأضاف سموه: “ثمة ظروف موضوعية تؤشر إلى أن المرحلة القادمة لن تكون سهلةً اقتصادياً ومالياً على أي دولة من الدول، فضلاً عن الدول التي يُعتبر تصدير الطاقة مصدر دخلها الرئيس. وسوف نتخذ الخطوات والإجراءات اللازمة لعبور تلك المرحلة. وقد بدأنا بإجراء الدراسات ووضع الخطط لذلك. وسوف يكون تعاونكم معنا ضرورياً لمواجهة تداعيات الوباء مستقبلاً. هذا ما تقتضيه المسؤولية الوطنية.”
ويمكن أن نفهم مما قاله حضرة صاحب السمو الأمير ما يلي:
أولاً: المرحلة القادمة ستكون صعبة على دولة قطر وغيرها من منتجي النفط والغاز، باعتبار أن هذا الوباء يقلص الطلب على الطاقة، ومن ثم ستنخفض أسعارها لا محالة، وقد رأينا كيف أن أسعار نفط غرب تكساس” تسليم شهر مايو” قد انهارت قبل أسبوع وتحولت إلى سالب. ورغم أن ذلك لم يستمر إلا ليوم أو ليومين، إلا أن مستويات أسعار النفط قد هبطت بشدة إلى ما كانت عليه قبل 20 عاماً بحيث استقر سعر خام برنت مع نهاية الأسبوع دون مستوى 22 دولاراً للبرميل، وهو ما يشكل 40% من سعر النفط الذي تُبنى عليه تقديرات الموازنة العامة للدولة. ومفاد ذلك أنه لو ظل السعر عند هذا المستوى، فإن الموازنة العامة للدولة التي تقترب من 200 مليار ريال، سوف تصاب بعجز ضخم يصل في عام 2020 إلى نحو 120 مليار ريال لا سمح الله.
ثانياً: أن هكذا عجز ضخم في حالة استمراره سنة واحدة فقط يمكن أن يلتهم جزء كبير من احتياطيات الدولة القائمة، ويضغط من ثم على استقرار النظام المالي والمصرفي، ومن ثم يمتد أثره على سعر صرف الريال.
ثالثاً: إن هذه التوقعات تنقلنا من مرحلة البحث عن السبل الكفيلة بعلاج تداعيات انتشار وباء كورونا في الأجل القصير، والتي تمحورت حول مساعدة المتضررين من وقف حال شركات القطاع الخاص، إلى ضرورة الاهتمام بكيفية مواجهة الآثار المدمرة لانخفاض أسعار النفط والغاز في الأجل الأطول. ومن بين الأمور التي قد يشملها ذلك ما يلي:
- إعادة النظر في تقديرات الموازنة العامة للدولة للعام 2020، وخاصة ما يتعلق منها بمخصصات المشروعات الرئيسية، لوقف أو تأجيل ما يمكن تأجيله منها.
- إعادة النظر في مخصصات المصروفات الجارية.
- إعادة النظر في استثمارات قطر الخارجية، وتسييل ما يمكن تسييله منها مخافة تراجع أسعارها من ناحية في ظل أزمة مالية عالمية مرتقبة، ولتأمين المزيد من السيولة داخل قطر وللنظام المصرفي القطري.
وفي الختام، هناك من يرى أن ما أشار إليه سمو الأمير يشمل البحث عن توجهات أخرى لدعم الإيرادات. ولا أظن أن ذلك صحيحاً، لما يتطلبه ذلك من المزيد من الإنفاق، في الوقت الذي سيقل فيه الطلب المحلي والخارجي على أي منتجات.